وأكثر من ذلك يمكن أن يكون الشهر الكريم مناسبة لوصل ما انقطع بين متخاصمين من الأقارب وقد تصل درجة القرابة إلى أبناء العمومة والأخوة , وتلعب الزيارات الرمضانية دورا في زيادة التآلف والتعارف بين الأقرباء , وباعتبار أن أيامه فضيلة لا يجوز أن تمر دون صفاء القلوب وعودة العلاقات بين الأقارب إلى مسارها الطبيعي.
وفي هذا الشهر, تعود السهرات بعد غياب قد يكون طوال السنة, وفي هذه السهرات يجتمع الأقارب نساء ورجالاً يتبادلون الطرائف والنوادر ورواية أخبار السلف وقفشاتهم , وقد يتحدثون في السهرة عن الآخرين الغائبين عن المجلس , ولاسيما حول تصرفات وأقوال لا يرضى الحاضرون عنها , ويطلق على عملية الحديث عن الآخر أنهم ( وضعوه في المقلاة ) حيث يجري ذكر عيوبه وتقليب أوضاعه, ويصل الأمر إلى التناقض مع الذات , فيتحدثون عن الآخر وهم ينكرون على أنفسهم مثل هذا الحديث لأن مثل هذا الحديث عن أولئك يأخذ ثواب صيامهم , ولكن في النهاية لا بد أن يمروا على ذكر بعض الهنات ويردفون مباشرة, فلان عمل كذا لا نريد أن نتحدث عنه كي لا يأخذ حسناتنا.
طبعا يتطوع فيما بعد من كان حاضرا بإخبار من كان غائبا عن الزيارة , فيقول الغائب أكيد وضعتموني بالمقلاية , فيرد عليه الآخر : شوي, سامحنا , فيجيب : الله يسامحنا ويسامحكم .
وقد يتخلل الزيارة وجبة من الطعام وفي حالات قليلة تستمر الجلسة إلى وقت السحور ولاسيما عندما يأتي رمضان في الصيف .
ومع استمرار التواصل الاجتماعي تبدلت بعض التقاليد ولاسيما عند العائلات المحافظة , حيث تسهر الإناث في غرفة منفصلة عن الغرفة التي يجلس فيها الذكور , ومن الطريف في الأمر أن يتنقل الأطفال بين الغرفتين وينقلون رسائل من هذا الطرف إلى ذاك , ولاسيما حول وقت انتهاء الزيارة .
أما صلة الرحم والترابط والتواصل بين الأقارب والأصدقاء فهي من أهم الانعكاسات الايجابية على تصرفات الصائمين وتطبيقاتها الوجدانية , ونضيف هنا إن ثمة دراسات تؤكد أن زيارة الأقارب خلال شهر رمضان أحد الأسباب الرئيسية لتقوية جهاز مناعة الجسم , فهي تمنح الجسم مقاومة ضد الأمراض لأنها ببساطة تخرج الطاقة الزائدة عن الجسم وتحسن الحالة النفسية , ويؤكد علماء الصحة النفسية والاجتماع الحقيقة العلمية لنتائج التواصل الاجتماعي باعتبارها وسيلة للترويح عن القلوب والنفوس قبل الأبدان , ويرون أن زيارة الأقارب وخاصة في شهر رمضان المبارك تحقق علاقات اجتماعية قوية وصلبة , ولها طعم جميل ومذاق خاص تنعكس بهجة وفرحة إضافة إلى أنها تحقق الوئام والمحبة .
ومن هنا تكون زيارة الأقارب وصلة الرحم وسيلة تمنح الجسم المناعة ضد الأمراض العضوية والنفسية وتقوي جهاز المناعة , وهنا يتماهى البعدان النفسي والاجتماعي , ومما لا شك فيه أن الإنسان يميل بطبعه إلى الإلفة , و عندما تتوافر هذه الانطباعات يصير الجسم خاليا من أي مرض وبعيدا عن القلق والاضطرابات والمشكلات وعن كل ما يعكر صفو الحياة وعندما يتخلص المرء من متاعبه وضغوط الحياة فإنه يشعر براحة نفسية تنعكس على سلوكياته.
ومن الملاحظ انه لم تعد لسهرات رمضان تلك الحميمية التي كانت تميزها قبل سنوات بسبب انتشار التلفزيون والقنوات الفضائية والخيم الرمضانية في الفنادق والمطاعم وهذه الأخيرة تحاول نقل الفلكلور الرمضاني السوري إليها من خلال تجمع العائلات في هذه الخيم وممارسة التسلية كطاولة الزهر والمنقلة وتدخين النرجيلة .