|
التقليد معاً على الطريق وقد قال عبد القادر الجزائري في كتابه (تذكرة العاقل وتنبيه الغافل: إن دابة تقلد خير من إنسان مقلد). ولعمري إن المقلدين كائنات عادية خطيرة إذا ما اعتبرت التقليد سنة لها ولغيرها. فإذا كان التقليد مذموما عامة, ويدل على ضعف في الشخصية الإنسانية, فإنه – أي التقليد- يغدو أمرا خطيرا إذا تحول إلى نظرة إلى الدنيا, وحمل سلاحا لحمل الناس على التقليد, ورفع السيف في وجه المبدعين. وأنا هنا لا أتحدث عن التقاليد بالمعنى الاجتماعي ذات الوظيفة المعشرية بوصفها عادات اجتماعية ،كتقاليد الأفراح والأتراح والأعياد بل أتحدث عن التقليد من حيث هو طريقة في التفكير, وموقف من العالم يقف ضد الجديد المبدع والمتجاوز. فموقف النقاد والشعراء الرافض للقصيدة الحديثة- قصيدة التفعيلة بحجة أن هذا الأمر مناقض لقواعد الشعر العربي- موقف مدافع من التقليد. واستمرار شاعر في كتابة شعر مدح وذم وفخر على طريقة المتنبي مثلا لهو تقليد أعمى وعودة إلى محاكاة الأقدمين المبدعين. وتوقف الاجتهاد في قضايا كثيرة التزاما بتقليد الأسلاف موقف ضار بالحياة, لأن الحياة صيرورة وتغير. وتقليد الأغنياء الجدد لسلوك الأوروبيين في الظاهر مع وعي متخلف بالانتماء إلى القبيلة والعائلة وتقاليد أيام زمان صورة كاريكاتورية للتقليد الأعمى الأجوف. وأن يتقمص شخص سلوك شخص آخر وتحويل ذاته إلى صورة طبق الأصل عن الأصل, مدعاة للضحك والسخرية. وعودة شعراء العامية الراهنين إلى تقليد الشعر العامي المبتذل بالأصل وجعله موضوع أغنية لموسيقا هي الأخرى تقلد الموسيقا الشعبية القديمة، انحطاط ذوق يخلق انحطاط ذوق. فالحياة اجتهاد دائم, وما الاجتهاد إلا تجاوز القديم. فقل لمن قام على رسم درس ما ضره لو كان جلس. المقلدون أطلال لكن لا تستحق الوقوف عليها ولا الرثاء ولا الدموع ،فبعر الأرائم لا يصير جميلا حتى ولو غدا مثل حب الفلفل يا امرأ القيس.
|