تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


النزعة الساخرة في رواية: «سيرقوني»

ملحق ثقافي
2/6/2009م
نـذيـر جعفـر

بعد روايتها: « عائد بخير زاد », ومجموعتيها القصصيتين: « أوراق الكينا» و«عناقيد اللؤلؤ الأحمر», تطالعنا الكاتبة مانيا سويد بروايتها الجديدة:«سيرقوني» متّخذة من اسم بطلها «سامي السيرقوني» عنوانا لها.

ولأن العنوان أولى عتبات النّص فإن إحالته على لقب الشخصية يشير إلى مركزيتها في البرنامج السردي. ومن هنا تبدو الرواية رواية شخصية ترصد حياة ومسار «السيرقوني» الصحافي اللامع الذي يكتب زاوية أسبوعية جريئة في صحيفة «شعوب» بعنوان: «بريق», ُمعزّزة برسم كاريكاتوري ساخر لزميله «عرنجي العرنجي»! ما يجعله عرضة لمساءلة الحكومة, وتشهير مدير التحرير الذي يسعى لفصله من العمل بدافع الغيرة وعداوة «الكار» الواحد.‏‏

إن السخرية المرّة الموشّاة بروح الدعابة أحيانا هي الثيمة الرئيسة التي تطبع هذه الرواية بطابعها الخاص من مبتداها إلى منتهاها, ويمكن الوقوف عند هذه النزعة من خلال: العنونة ودلالات الأسماء, والمفارقات التراجوكوميدية.‏‏

ـ العنونة ودلالات الأسماء:‏‏

إن العنوان الرئيس: «سيرقوني» لا يحيل في صيغته المفردة إلى أي معنى, إلا أن النظر إليه عبر ارتباطه بالسياق وبوصفه لقبا لشخصية سامي, فإن جذره الثلاثي يشي بالترقية من منصب إلى آخر, وهو ما يشير إليه اسم: «سامي» أيضا الدال على الرقيّ والسموّ والرفعة. لكن هذه الترقية تنتهي بفصله من العمل ثم بإحالته على المحاكمة!‏‏

أما العناوين الفرعية للفصول فغالبا ما تحيل على مضامينها معزّزة برسوم كاريكاتورية ساخرة, كما في: «مطر بالألوان» الذي يفضح الوزراء المتصابين, و«24 ساعة حجز» الذي يشير إلى اعتقال سيرقوني على أثر إحدى زواياه المحرّضة للإضراب, و«وداعا شعوب» الذي ينذر بفصله من عمله في الصحيفة, و «ارجع يافصيح» الذي يكشف عن المفارقة الساخرة بين اسم المستشار «فصيح العسلي» وتعنيفه لسائقه بعبارة «يا فصيح» قاصدا بها: «يا غبيّ»! و «طحال» الذي يدل على اسم ومهنة «محمود طحال» الذي يقدم وجبات الطحال الشهية في مطعمه! و«الوزير ثريّا», الذي يكشف عن جهل الرئيس بأسماء وشخصيّات وزرائه في حفل التكريم! أمّا أسماء: مدير التحرير «طاهر بالوعة», ورئيس الاستخبارات «فهد البسطار», والمعارض السياسي «الأصمعي», ورجل الأعمال «كامل البحطيطي», والمطهّر«فرفوري», والرسام عرنجي العرنجي (النهم), فقد جاءت لتدل على مهن أصحابها وسلوكهم وطباعهم ومواقفهم, في زمان ومكان غير محدّدين, وإن كانا يوحيان بالفضاء اللبناني في زمن ما. ووفق هذا السياق القائم على هجاء المؤسّسة السياسية والإعلامية, وإضفاء روح الدعابة والسخرية على الأحداث المأساوية, تتوالى العناوين والأسماء الأخرى المفارقة لدلالتها مثل «البيت الأحمر» الذي يشير إلى قصر الرئاسة في العاصمة, وقرية «الزوبعة», وقرية «عين التين», اللتين لا تدلان على فضاء متعيّن بقدر ما تشيران إلى الريف بالمعنى المطلق, وجارة عرنجي «غزالة» التي تخزّن قمامتها حتى تفوح رائحتها فيبدو فعلها نقيض اسمها تماما.‏‏

ـ المفارقات التراجوكوميدية:‏‏

تبدو المفارقة الأولى في جنازة رئيس الوزراء المهيبة التي تنتهي أخيرا بالمطر الذي ُيسيل صبغة الشعر عن رؤوس الوزراء المرافقين لها, فيصبح «مطرا بالألوان» يكشف المستور وُيبرز التناقض بين مظهرهم وجوهرهم. أما المفارقة الثانية فتأتي بتعيين السيرقوني وزيرا في محاولة لكسبه ودفع شرّه, فيبدأ تذلل ونفاق الناس له ومن أبرزهم عدوه السابق مدير التحرير طاهر بالوعة, الذي يخطب وده ورضاه طمعا في مساعدته, وإعادته إلى وظيفته بعدما طرد منها! لكن السيرقوني سرعان ما يستقيل من الوزارة ويبدأ حياته من جديد مبدّدا آمال الجميع به!‏‏

والمفارقة الثالثة تبدأ بزواج عرنجي بعاتكة التي لم يسبق له أن رآها ثم هروبه منها في ليلة الدخلة! وزواج فؤاد بغنوة وخذلانه لها. والمفارقة الأخيرة اكتشاف جهات من السلطة ذاتها على علاقة بالتفجيرات التي وقعت في الساحة العامة بعدما كانت أصابع الاتهام موجهة إلى المعارضة!‏‏

هذه المفارقات على ما فيها من دعابة وسخرية إلا أنها لا تخلو من دلالات اجتماعية وسياسية تجد مرجعيتها في الأحداث الساخنة التي مرّ وما زال يمرّ بها لبنان. ومن هنا تبدو الأحداث والشخصيات ليست مجرّد وقائع مثيرة للضحك بقدر ما هي تمثيلات رمزية لإشكالية السلطة والمعارضة من جهة, والسلطة والإعلام من جهة ثانية, في بلد تتقاذفه مصالح داخلية وخارجية عدّة.‏‏

إن رواية: «سيرقوني» ببطليها الرئيسين: الصحافي الحالم المدافع عن حقوق المواطنين الفقراء والضعفاء «سامي السيرقوني» ورفيقه رسّام الكاريكاتير النهم «عرنجي», تذكّر بالثنائي «دون كيخوته» وتابعه «سانشو» على الرغم من قالبها العصري, ومرجعياتها الفنيّة والسياسية والاجتماعية المختلفة. فهي تقوم على هذه الثنائية بين الشخصيتين, كما تقوم على ثنائية المدينة والريف, والحلم والواقع, والذكورة والأنوثة( عرنجي ـ عاتكة), و ( فؤاد ـ غنوة) و( كامل ـ حميدة). وهي في رصدها لمسار وتعايش ومصائر هذه الثنائيات تتكئ على عدد من التقنيات الفنيّة التي تنهض بالسرد وتحقّق مقاصده الدلالية. ومن أبرزها:صيغة الراوي كليّ المعرفة, والاسترجاع الزمني, والوصف , والحوار.‏‏

ـ صيغة الراوي:‏‏

ينهض السرد بصيغة ضمير الغائب على لسان الراوي كليّ المعرفة, الذي لا يشارك في الحدث بل يكتفي بدور الشاهد على ما يحدث ناقلا ومصوّرا الأقوال والأفعال إلى القارئ الافتراضي. وتهيمن هذه الصيغة للراوي الأحادي على البرنامج السردي برمّته, ما يبعث الرتابة على إيقاعه ويحرم الشخصيّات من التعبير عن نفسها إلا من خلال الراوي وحده. إن توظيف غير صوت, وغير صيغة للراوي مثل: صيغة المتكلم, وصيغة المخاطب, بات أمرا حيويا في الرواية الحديثة, وبالغ الأهمية في تقديم الشخصيات والأحداث من زوايا ووجهات نظر متباينة. ما يسهم في خلق التوتر الدرامي, وتسريع إيقاع السرد, والمحافظة على عنصر التشويق.‏‏

ـ الاسترجاع الزمني:‏‏

تكاد تكون تقنية الاسترجاع هي التقنية الوحيدة التي يتكئ الراوي عليها في استعادة ماضي الشخصية وتسليط الضوء عليها. ويسهم هذا الاسترجاع في الانتقال بالسرد من الحاضر إلى الماضي, وفي تلخيص فترات زمنية محددة من حياة الشخصية في مرحلتها السابقة, وهذا ما نجده في استعادة ماضي كل من : السيرقوني, وعرنجي والعسلي, وإسماعيل محجوب. وكان هناك إمكانية فنية واسعة لتوظيف المونولوج الداخلي الذي يسهم في استبطان أعماق الشخصية وعدم الاكتفاء بملامسة عالمها الخارجي فحسب.‏‏

إن النسق الزمني للأحداث نسق تتابعي في مساره العام, ويبدو زمنا مجردا ومعزولا عن التأثير في الشخصيات والأحداث لا زمنا فاعلا فيها وفي تطورها وتبدّل مواقفها من حال إلى حال.‏‏

ـ الوصف:‏‏

يعنى الوصف في هذه الرواية بالمظهر الفيزيقي للشخصية الروائية فحسب, فيركّز على ملامح الوجه والجسد: «إسماعيل رجل أعزب, طويل القامة, وسيم الوجه, أحمر الوجنتين, ذو شعر أشقر كثيف وعينين خضراوين..ص 38». أو يركّز على مظاهر الطبيعة الخارجية وتقلباتها: «جاء صوت الرعد مدويا مخترقا صمت الجنازة إلا من أصوات نعال الأحذية الفاخرة ترتطم بالأرض. فنظر الجميع في تلك اللحظة إلى الأعلى. بدأ القلق يدب بين الصفوف مع أولى قطرات المطر التي تلت البرق ص 17». وكان يمكن تعضيد هذا النوع من الوصف التزييني بأنواع من الوصف التفسيري والإيهامي والترميزي الذي يغني السرد ويسهم في توسيع دائرة دلالاته.‏‏

ـ الحوار:‏‏

لعب الحوار في «سيرقوني» دورا مهما في الكشف عن أفكار وسلوك الشخصيات, ولكن دون أن يتوغل في كشف نواياها ومقاصدها الخفيّة. وقد جاء مخلصا للغة المعيارية الفصيحة, غير ملتفت إلى المستويات المتباينة للشخصيّات, أو استنطاقها بحسب نبراتها اللهجية والمهنية والثقافية. ما أفقدَ البرنامج السردي تنوعه اللغوي الأوركسترالي وحوّله إلى عزف منفرد لا غير. كما بدا الارتباك في بعض الصيغ الحوارية التي تنوس بين لغة الحياة: «هون عليك يا صاحبي ص179», ولغة المعاجم: «عجبا منك يا رجل ص 88».‏‏

إن هذه الملاحظات لا تلغي أهمية نص«سيرقوني» الذي لا يخلو من مغامرة فنيّة اقترنت بتوظيف الكاريكاتير جنبا إلى جنب مع الكلمة. كما لا يخلو من دينامية تجلّت في المشاهد الحوارية والدرامية المتنوّعة, وفي التركيز على شخصية محورية فاعلة, تجذب القارئ وتعزّز لديه قيم الحق والخير والجمال.‏‏

الكتاب: سيرقوني- رواية‏‏

الكاتبة: مانيا سويد‏‏

إصدار خاص ـ‏‏

دولة الإمارات العربية المتحدة ـ 2008.‏‏

تعليقات الزوار

محمد |  amreettc@eim.ae | 03/06/2009 11:22

اين نجد هذه الرواية

عبد الفتاح صبرى |  fatah66@hotmail.com | 03/06/2009 13:00

الاديبة مانيا سويد لديها القدرة على خلق مضامينها الخاصة وتسنطيع ان تكتشف لشخوصها مسارب غير عادية للنجاة بهم اضافة قدرتها على التحكم فى نهايات قصصها بما يرضى الفنية التى تسير وفق التراتب المنطقى كنت اتمنى انى قرأت روايتها لااتستطيع البحث فى مكامنها وان كنت قد لاحظت ان الناقد الاستاذ نذير جعفر افرد لبعض الفنيات مثل ثيمة المفارقةوكذلك شكل البناء الزمنى وبعض التقنيات الاخرى للناقد الشكر وللاديبة كل الامانى الجميلة والتوفيق

عبد الرزاق درباس |  drbas_abdrazak@yahoo.com | 11/06/2009 07:00

الأديبة العربية السورية مانيا سويد قادرة على الإمساك بخيوط الحبكة الدرامية في القصة و الرواية بوعي و هدوء كما أنها تمسك بتلابيب القارئ و تشده لقراءة العمل لفترات متصلة أو قصيرة و تلك ميزة تحسب لها ، و شخصية سيرقوني مركبة مميزة تمثل طموحا مشروعا لفئة تشعر أنها لم تأخذ من الحياة كل ما تستحق ، أشكر الكاتب نذير جعفر على مقاله النقدي وأبارك لها هذا العمل الروائي و نتمنى لها المزيد من الإبداع.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية