كيف يرى الوزير وئام وهاب هزيمة المشروع الأميركي في المنطقة? وكيف يحلله?.. هذا ما توقف عنده في مكتبة الأسد في محاضرته التي حملت عنوان: المشروع الأميركي من الهجوم إلى الدفاع.
بدأ وهاب محاضرته قائلاً ومخاطباً الحضور:
المسألة ليست مزاج أشخاص بل هي مشروع أميركي يعد للمنطقة ويحتاج إلى شخص مثل جورج بوش, وأضاف: حين بدأت الحرب الأميركية على العراق, كان الرهان على أن سورية ستسقط, لكنهم خسروا الرهان, مع أن ماكينتهم الإعلامية عملت بشكل مكثف ولم تترك أكذوبة أو تهمة إلا ولفقتها ضد سورية لأنها وقفت ضد الاحتلال الأميركي للعراق, كانوا يريدون شرعية عربية لاحتلالهم, وهذه الشرعية لا تكون إلا إذا أخذت من سورية, لكنها رفضت إعطاء هذه الشرعية, رفضت أن تتآمر على المقاومة, لذا كان لا بد أن تدفع ثمن تمردها على القرار الأميركي.
كان المطلوب التآمر على المقاومة في لبنان وقطع رأسها, كان المطلوب خنق المقاومة الفلسطينية,وقدمت الإغراءات لسورية, وأن تأخذ الثمن الذي تريد ومنه البقاء في لبنان إلى ما تشاء, لكن كان يومها رد الرئيس الأسد (لست أنا من يخضع لشروطكم), وقبلها عندما جاء كولن باول إلى سورية ووضع لائحة من الشروط أمام الرئيس الأسد, لم يكن يدرك أنه أمام قائد استثنائي, وعرف فيما بعد أن سورية ليست من ينفذ الأوامر الأميركية, مع أنها محاطة من ثلاثة اتجاهات: القوات الأميركية على الحدود السورية,والعصا الإسرائيلية حاضرة والقلاقل السياسية في لبنان, لكن لم تأبه سورية لوجود القوات الأميركية على الحدود لأن المقاومة ستتكفل بذلك, وفعلاً بدأت المقاومة وسقط الأميركيون في المستنقع.
البحث عن ساحة جديدة
بعد أن بدأت المقاومة وتعقدت الأمور في العراق تدريجياً, بحث الأميركيون عن ساحة جديدة ليحققوا فيها نصراً, لأن نصرهم في العراق لم ولن يتحقق وكان الخيار الساحة اللبنانية لأن البعض جاهز ليكون مطية ويؤدي الدور الذي يوكل إليه, فأحضرت الماكينة الإعلامية الأميركية إلى سفارتهم في بيروت وبدأت الحملة على سورية من الخاصرة الرخوة لبنان وبدأت سياسة الترغيب والترهيب, وعلى التوازي كان جورج بوش يلتقي جاك شيراك ليرضيه وحصل اتفاق النورماندي, الذي أدى إلى ولادة القرار 1559 الذي ترافق أيضاً بالترغيب والترهيب وعادت نغمة المقايضة وبدأ الضغط على سورية وانسحب الجيش السوري من لبنان لكن لم يكن انسحاباً من المواجهة, سورية انسحبت لتنتقل إلى ساحة جديدة للمعركة, لأن المشروع الأميركي متمركز في مكان آخر, وهذه هي الخطة العبقرية التي نفذت في ثلاث السنوات الماضية, في الهجمة الإعلامية الشرسة على سورية أراد الأميركيون أن تكون هزيمة سورية معنوية ووطنية, أرادوا أن يفقدوا المواطن السوري ثقته بحكومته, وحاولوا تشويه دور سورية, لكنهم أخفقوا,وبعدها جاء وولش يطالب الحكومة غير الشرعية بتنفيذ وعودها بنزع سلاح حزب الله, وحين لم يتحقق ذلك كان البحث عن بدائل.
حرب تموز منعطف جديد
توقف وهاب مطولاً عند حرب تموز, والدور الذي أدته سورية في هذه الحرب قائلاً: النصر كان صناعة سورية لبنانية, سورية شريكة في هذا النصر, وهذا ما أكده السيد حسن نصر الله, إسرائيل أخفقت إخفاقاً ذريعاً, وبعد الحرب زادت سرايا المقاومة اللبنانية 40.000 متطوع, ولو حاولت إسرائيل المغامرة ثانية فستندم على حرب تموز الماضية لأن المقاومة اللبنانية لم تستخدم إلا جزءاً ضئيلاً من قدرتها.
لقد وصل المشروع الأميركي إلى مرحلة التهاوي والسقوط, ولم يكن أحد يتوقع ما وصل إليه الأميركيون والإسرائيليون, سورية هي التي مهدت لهذا, وحاصرت المشروع الأميركي, ما دفعنا إلى التساؤل, ما العمل? ما الذي تريد أن تفعله الولايات المتحدة أمام هزيمة مشروعها?
قدم وهاب قراءة للمرحلة بأن الأشهر الأخيرة في ولاية الرئيس بوش قد تحمل جميع الاحتمالات, وقد يكون متهوراً حتى في أسبوعه الأخير, وهنا يرى أن ثلاثة احتمالات لا بد من التوقف عندها:
الأول: أن يقدم فريق الموالاة في لبنان مع مجيء بوش إلى المنطقة على انتخاب الرئيس بالنصف زائد واحد, لذا أعدت المعارضة اللبنانية عدتها لمواجهة هذا الاحتمال, لأنه بمثابة انقلاب صريح وعلني.
الاحتمال الثاني: أن تقوم الولايات المتحدة بضرب إيران, لكن حربهم لن تكون نزهة, ولدى إيران ما يجعلها قادرة على الدفاع عن نفسها, وإلحاق الأذى بالولايات المتحدة.
أما الاحتمال الثالث: فهو أن تشن إسرائيل حرباً ضد سورية, لكن سورية لديها من القوة ما يجعل المعتدي يفكر طويلاً قبل المغامرة, رغم كل الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من أميركا, إن أي إدارة أميركية جديدة لن تمشي على خطا بوش, لأن الأذى الذي ألحقته إدارته بالولايات المتحدة وسمعتها, وصل إلى ذروته, وبالتأكيد لم يأت قرار بيكر هاملتون من فراغ, بل جاء لتحسين صورة وأداء الولايات المتحدة في المنطقة.
وخلص وهاب إلى القول: إن سورية لم ولن تفرط بقضية العرب المركزية, ولا بالمقاومة, ولو أرادت أن تفعل ذلك, لأخذت ما تريد, لم توافق على التوطين, عارضته وفضحته, وهي اليوم إذ تقبل بالسلام فهو السلام العادل المشرف, وقد تبين أن المشكلة في إسرائيل وليست في مكان آخر.
سورية كانت ولا تزال في عين العاصفة, كانت قبل أربع سنوات مطالبة بتعديل سلوكها, حتى عملية ضرب العمال السوريين في لبنان كانت منظمة ومدروسة لإعادة هؤلاء العمال إلى سورية وخلق أزمة, لم يكن أحد ليصدق أن سورية ستنجو من حصار المشروع الأميركي, وعندما سئلت كونداليزا رايس عن سورية لماذا لا تسقط قالت: لأنها لا تستورد القمح الأميركي.