لقد تم بالفعل الإعداد للجولة الأولى لتهيئة مسرح العمليات المصري من خلال السيطرة على القرن الإفريقي واختراق العمق الاستراتيجي المصري بالسيطرة شبه التامة على جنوب السودان، ونفذ على الأرض الجزء الأكبر من مخطط إضعاف السودان والعراق وتقسيمهما، وهيمنة اقتصادية على قطر وتواجد استعماري عسكري في البحر الأحمر والخليج والمحيط الهندي، كل هذا كان الخطوة الأولى في مشروع التقسيم، فالنية مبيتة والخطط جاهزة، والتنفيذ جار على قدم وساق لإضعاف وإسقاط أكبر وأهم الدول العربية «مصر» في مستنقع الفرقة والتشرذم والتقسيم.
مخطط التقسيم ليس وليد اللحظة، إنما هو مؤامرة خطط لها منذ أكثر من 5 عقود، حيث ظهرت بوادر التقسيم في الوثيقة التي نشرها الكاتب الصحفي الهندي «ر. ك. كارنجيا» عام 1957م في كتابه «خنجر إسرائيل»، وعرفت باسم «وثيقة كارنجيا» أوضح فيها المخطط الإسرائيلي لتقسيم مصر إلى دولتين قبطية وإسلامية، وقد أكد هذه المؤامرة دراسة مستقبلية وضعها الكاتب الإسرائيلي «عوديد ينون» تحت عنوان «خطط إسرائيل الإستراتيجية» نشرتها المنظمة اليهودية العالمية في عدد 14 شباط عام 1982م لمجلة «كيفونيم»، وفيها يتنبأ باستمرار حالة الاحتقان الطائفي في مصر وأن استمرار بث الفرقة والنزاع بين المسلمين والمسيحيين وإثارة الاقتتال بين فئات الشعب المصري مع تردي الأوضاع الاقتصادية سوف يدفع بمصر نحو التقسيم.
ولكن أخطر مخططاتهم كانت على يد المؤرخ الصهيوني الإنجليزي الأصل الأميركي الجنسية «برنارد لويس» بطريـرك الاستشـراق الأميركي الصهيوني، ومنها ما نشره في مجلة «اكسليوتف انتلجنت ريسرش بروجكت» التي تصدرها وزارة الدفاع الأميركية، وفيها تصور استراتيجي مدعوم بالصور والخرائط لتقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة على أساس طائفي وعرقي لشل هذه الكيانات بالخلافات والنزاعات الطائفية والمذهبية والصراع على الثروات والمياه والحدود، لحماية الكيان الصهيوني وتأمين مستقبله لخمسين سنة قادمة، ولحماية المصالح الأميركية، وكان لويس قد وضع مشروعه التفكيكي الفوضوي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر واعتمده الكونغرس في جلسة سرية عام 1993م، كأساس للسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران أربع، وسورية ثلاث، والأردن دويلتين، ولبنان خمس، والسعودية إلى عدة دويلات.
أما تقسيم مصر فكان إلى أربع دويلات تصنف كما يلي: دويلة قبطية: من جنوب بني سويف بامتداد غربي يضم الفيوم والإسكندرية عاصمتها، دويلة النوبة: من صعيد مصر حتى دنقلة من شمال السودان وعاصمتها أسوان، دويلة إسلامية: من ترعة الإسماعيلية والدلتا حتى حدودها على الدويلة القبطية غرباً ودويلة النوبة جنوباً، دويلة يهودية: يمتد فيها النفوذ الإسرائيلي عبر سيناء ليستوعب شرق الدلتا بحيث تتقلص حدود مصر تماماً من الجهة الشرقية ليصير فرع دمياط وترعة الإسماعيلية حدها الشرقي وتحقق الغاية الإسرائيلية «من النيل إلى الفرات».
المفكر المصري بولس رمزي الذي كان شاهد عيان على أحداث ماسبيرو حيث ربط بين هذه الوقائع المتلاحقة غير المسبوقة وبين مخطط التقسيم في حوار له منشور بجريدة المساء يوم 10 تشرين الأول عام 2011م، يقول: «أنا كنت متابعا للأحداث لحظة بلحظة وسجلتها بالفيديو والتصوير الفوتوغرافي، وللأسف الشديد ما يحدث هو ما حذرت منه أكثر من مرة، أنه يوجد سيناريو سيتم تنفيذه بكل حرفية لتقسيم مصر، وأن البعض بدأ بالفعل في تنفيذ ذلك».
التأكيد على هذه المؤامرة جاء بإعلان قاضيي التحقيق في التمويل الأجنبي المستشارين سامح أبو زيد وأشرف العشماوي في مؤتمر صحفي أقاماه في مقر وزارة العدل عن الخرائط التي عثروا عليها داخل مقر المعهد الجمهوري الأميركي في الدقي حول تقسيم مصر إلى أربع دويلات الدلتا وقنال والقاهرة الكبرى وصعيد مصر، ما أثار جدلاً حول ماهية عمل المنظمات الحقوقية في مصر وهدفها الرئيسي، وقد أوضحت «دولت عيسى» مديرة برامج الحملات الانتخابية بالمعهد الجمهوري سابقاً والحاملة للجنسية الأميركية أنها قدمت استقالتها من المعهد بعد علمها أن التمويلات للمعهد كانت تأتي من الكونغرس الأميركي لتنفيذ مخطط إفساد الحياة السياسية في مصر والإعداد لتقسيم مصر عام 2015م.
الخبير الاستراتيجي اللواء حسام سويلم بيّن أن هناك حركات سياسية داخل مصر تنسق مع الغرب بهدف تقسيم مصر، مشيراً إلى أن وثائق ويكيليكس أكدت أن أحمد ماهر منسق حركة 6 نيسان على علاقات بمنظمات أميركية، وهناك 34 منظمة ومركزاً حقوقياً داخل مصر قد حصلت على تمويل مباشر من السفارة الأميركية، مؤكداً سعي إسرائيل لتكون دولة عظمى يدور في فلكها دويلات ممزقة مرتبطة بإسرائيل اقتصادياً وسياسياً، وفصل الحديث عن المخطط كما ورد بالوثائق المتعاقبة المعروفة، وأضاف إن ما حدث بالعراق ولبنان والسودان يعتبر تنفيذاً لمخطط الشرق الأوسط الجديد، والهجوم المستمر على خط الغاز ودخول حزب التوحيد الفلسطيني سيناء وإعلانه قيام إمارة إسلامية هناك، كل هذا يؤكد هذا المخطط، لم يكن إعلان هذه الإمارة الذي دعا إليه تنظيم القاعدة مفاجأة لمن يعلم بالمخطط الصهيوني الأميركي لتقسيم الدول العربية، فكلنا يذكر تصريحات بوش الابن ووزيرته «كونداليزا رايس» حول الفوضى الخلاقة وتلميحهم إلى أن ما حدث في العراق من «تحرير» على حد زعمهم هو مجرد بداية لنشر الديمقراطية في العالم العربي بالقوة وقد بدأ المخطط يأخذ طريقه للتنفيذ سريعاً.
من يقرأ الواقع استناداً على ما ورد بتلك الوثائق من مخططات ومؤامرات يجد تفسيراً منطقياً لما يحدث اليوم، فالمؤامرات نراها واقعاً يتحرك ومنظمات وكيانات وكتلاً وشخصيات تخدم بوعي تام خطط «برنارد لويس»، وتنقل تصورات «رالف بيترز» و«عوديد ينون» من فضاء التطلعات والتخطيط إلى حيز التنفيذ والفعل، كل هذه المعلومات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن التربص بمصر كان منذ سنوات مضت وهناك أيادِ خارجية بالفعل تستغل أحداث العنف التي أعقبت الثورة لإسقاط مصر وتحقيق هذا المخطط وإحياء فكرة تقسيم مصر.