تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أطفالنا الأبرياء ....ماذا نفعل لننقذ براءتهم ؟؟

مجتمــــع
الخميس 16-8-2012
منال السمّاك

استوقفها اسم قلم الرصاص و حارت بأمره و هي الطفلة ذات الخمس سنوات، حدقت به مستغربة كيف يكتب و يقتل .. نفرت منه و تساءلت .. لماذا سمي بهذا الاسم المرعب .. إنه مجرد قلم للكتابة فأين طلقات الرصاص ؟ ..

لم يخطر ببالنا يوما ما هذا التساؤل .. ربما لأننا جيل لم نشهد العنف أو نعايشه .. ففي ظل الأزمات يُظلم الأطفال و تكاد أن تضيع طفولتهم وسط مشاهد الدمار و الخراب الذي شوه مدارسهم و انتهك هدوء و سكينة منازلهم ، تتولد معاناتهم بإقحامهم رغما عنهم بنزاع للكبار لا يمت لطفولتهم بصلة ، فالأمر لم يعد مجرد شريط إخباري يتجدد أمام أعينهم على مدار الساعة ليحمل مشاهد قتل ودماء تروع قلوبهم الصغيرة ، لأن الارهاب بات حقيقة واقعة في عرض حي أمام بيوتهم و في أحياهم ، قد يتهدد حياتهم و يهدم بيوتهم أو يجعلهم أيتاما بين ليلة وضحاها أو مشردين ، هذا ما يعيشه أطفالنا في بعض المناطق الساخنة ، خوف .. توتر .. عصبية .. بكاء .. إنهم نتاج الأزمة .. و ضحايا لزمن ساده الارهاب ..‏

يجهلون أبعاد الصراع‏

قد يكون الواقع أبلغ من الكلام و أكثر تعقيدا من التنظير ، و يحار الأهل ماذا يفعلون لتهدئة روع أطفالهم و انتشالهم من دائرة الفزع و الخوف ، فالحل لدى الكثير من الأسر أن يهرعوا بأطفالهم بعيدا عن أزيز الرصاص و دوي الانفجارات التي تصم الآذان و تدب الرعب في نفوسهم لأنهم لا يدركون حقيقة ما يجري ويجهلون أبعاد الصراع و فصول المؤامرة ، وهذا ما فعلته أغلب الأسر السورية في تنقلها من منطقة ساخنة إلى مكان أكثر أمنا و هدوءا ، و تعليلهم الوحيد « نحن لسنا هاربين و لا خائفين ، و لكن من أجل أطفالنا » .‏

بكاء شديد ..‏

حالات كثيرة و أعراض متنوعة ظهرت ملامحها على الأطفال من سلوكية ونفسية و صحية ، من بكاء شديد و صراخ و أرق و توتر شديد ، تقول أم لثلاثة أطفال : أحاول بشتى الوسائل أن أصرف انتباههم عما يجري من حولهم ، كأن أرفع صوت التلفزيون و أخلق لهم جوا من اللهو و التسلية و أحتضنهم و أغدق عليهم الحب و الحنان ، و لكني أفشل في منعهم من البكاء و الصراخ و في ايقاف الحالة الهستيرية التي تصيبهم لدى سماع أصوات الانفجارات و طلقات الرصاص.‏

أجواء متوترة‏

فيما حاولت السيدة منال و هي أم لطفلتين توأم في الخامسة من العمر أن تبعدهما عن الأجواء المتوترة التي تسود منطقة سكنهم ، و لكن حسبما أشارت فقد تأثرت نفسيتهما بالأحداث الجارية و تبدل سلوكهم ليصبح أكثر عدوانية ، كما أنهما باتتا تكرهان منزلهما و ترفضان العودة إليه ، و تتساءلان بشكل مستمر عما يجري من خلال تتبع أحاديث الكبار و ترقب النظرات لتحليلها و السؤال إن كان هناك مشكلات ، والتخوف من حلول الليل الذي يترافق بتصعيد الأحداث ، والالحاح المتكرر لتبديل القنوات التي تبث الأخبار بأي محطة أخرى .‏

و يلح الطفل طارق البالغ من العمر أربع سنوات على والديه للسفر و يترافق ذلك مع نوبة بكاء شديدة ، و هذا حال أخته الأكبر منه التي تصاب بحالة ذعر شديد و بكاء متواصل حتى تخفت الأصوات ، و تقول والدته : حتى طريقة لعبه تغيرت فاستبدل ألعابه بالطائرات الورقية و الرشاشات البلاستيكية و يحاول إغلاق الباب بعنف ليظنه الناس أنه صوت انفجار .‏

هروب من الواقع‏

تختلف ردة الفعل من طفل إلى آخر ، فيعتاد البعض منهم على ما يجري وينصرف إلى شيء من اللعب و اللهو ، حيث يتجاهل عيسى البالغ من العمر عشرة أعوام و أخوته الأصغر منه ما يجري حولهم من أحداث تعم مدينة حلب حيث يقطنون ، قائلا لوالدته : لقد مللنا .. و لذلك يرفعون صوت التلفزيون ليغطي على أصوات الانفجارات و يتابعون المسلسلات و برامج الأطفال و يمارسون بعض الألعاب المسلية ، في محاولة من أمهم للسماح لهم بما لا يسمح بالأيام العادية لالشيء إلا لأنهم باتوا حبيسي المنازل .‏

أطفال كبروا قبل أوانهم‏

و طالما الأرواح بأمان و لا يمسها أي خطر ، يفضل بعض الأهل أن يقووا من إرادة أطفالهم و يجعلوا قلوبهم أكثر صلابة يدعمهم حب الوطن و التمسك به من خلال التمسك بالبيت و عدم مغادرته إلا للضرورة القصوى ، و هذا ما فعله أبو لؤي – أب لثلاث بنات و ولد ، حيث قرب ما يجري من أحداث من أذهان أطفاله ، وشرح لهم أن ما يحدث بعيد عنهم و لن يصيبهم بمكروه ، و برأيه أن الأطفال خلال الأزمة كبروا قبل أوانهم .‏

صدمات نفسية‏

يشير علماء النفس و التربويون أن هؤلاء الأطفال قد يكونون عرضة للاكتئاب و الصدمات النفسية ، فالصدمة من أكثر الآثار السلبية للحروب انتشارا بين الأطفال ، و غالبا ما يصاحب الصدمة خوف مزمن من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع الحرب مثل صفارات الإنذار وصوت الطائرات و الجنود و الأسلحة ، يقابلها الطفل بالبكاء أو العنف أو الغضب أو الاكتئاب الشديد.‏

أما إذا كانت الصدمة ناجمة عن مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة أو جثث مشوهة لأقارب له فإنها يمكن أن تؤثر على قدراته العقلية ، وتتسبب الصدمة في معاناة الأطفال من مشكلات عصبية ونفسية ممتدة مثل الحركات اللاإرادية ، وقلة الشهية للطعام والابتعاد عن الناس ، والميل للتشاؤم و اليأس ، وسرعة ضربات القلب في بعض المواقف.‏

و يلفت التربويون إلى أن الحروب تفجر لدى الأطفال - لاسيما الصغار منهم - أزمة هوية حادة ، فالطفل لا يعرف لمن ينتمي ولماذا يتعرض لهذه الآلام، أما الأطفال الأكبر - الفتيان - فيجدون أنفسهم وقد أصبحوا في موقف عليهم الدفاع عن أنفسهم وذويهم ولو عرضهم ذلك للخطر، وحتى إذا لم يفعل الأطفال ذلك فإنهم يجدون أنفسهم في حالة من التشرد والفقر تفوق قدرتهم على الاستيعاب خصوصا على التعبير الجيد عن المشاعر والرغبات مما يغذي مشاعر دفينة تظهر في مراحل متقدمة من أعمارهم في صور عصبية وانطواء وتخلف دراسي وغيرها من الأعراض .‏

بحاجة للدعم و الاطمئنان‏

يواجه الأهل تحديات جمة في التعامل مع أطفالهم أثناء الحروب و هنا يشير التربويون إلى أن الأطفال بحاجة إلى معاملة خاصة من ذويهم سواء كانوا ضحايا للحرب أو مجرد متابعين لها ، أول ما يجب أن يفعله الآباء والأمهات عند تعرض الطفل لظروف مروعة في الحروب هو أن يحيطوه بالاطمئنان ولا يتركوه دون دعم نفسي ، وأن يطمئنوه بأن كل شيء سيكون على ما يرام مع تشتيت فكره عن الحدث المروع .‏

أما الأطفال الأكبر سنًّا فيمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن ، مع عدم منعهم من البكاء أو السؤال عما يجري ، ويمكن لرب الأسرة في مناطق الحروب أن يجمع أسرته صغارا وكبارا من أجل قراءة القرآن والدعاء مع زرع الإحساس بداخل الطفل بأن القدرة الإلهية قادرة على كل شيء ، وأن قوة الله فوق كل قوة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية