حيث بين في بدايتها البعد الإنساني للفن وضرورة أن يكون قريباً بنتاجه الفني من الناس والمجتمع. وما هذا النتاج الفني الذي خلفه الإنسان على مد العصور إلا «تراث» تتناقله الأجيال ليكون في النهاية حضارة.
قبل الإسلام وبعده
أ. قشلان تحدث عن وجود العرب قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وما بين النهرين حيث ظهرت ملامح حضارية في جنوب اليمن من خلال فن العمارة الطابقية العالية والتي تصل إلى أكثر من عشر طبقات، وهذا دلالة على سبقهم للغرب أكثر من ألف عام، ويضيف أ. قشلان بأن المسلمين الأوائل اعتمدوا البساطة في حياتهم ولكن نتيجة اختلاطهم بغيرهم من الأقوام غير العربية أو غير المسلمة أقبلوا على حياة مختلفة سمتها الرفاهية في بناء القصور وارتداء الملابس الفاخرة المذهبة والمطرزة بخيوط الذهب والفضة.
لم يكن للعرب طابعهم الخاص في فن العمارة وإنما كان ميلهم للإنشاء والتعمير ليشيدوا مدناً كالفسطاط والكوفة وبغداد.
التغيير والابتكار
ونتيجة للاحتكاك الدائم وعلاقات التبادل عن طريق التجارة والحج والاقتصاد والأسفار المفتوحة رتحالاً لعمال ودراسين بين الأقطار الإسلامية، هذا كله خلق جواًً من المنافسة بين الفئات الحاكمة ليقيموا منشآت عمرانية كبيرة من قصور ومساجد وقلاع ومدارس.. وفي هذا نضرب مثالاً حول تشييد المسجد الأموي، حيث قال الوليد بن عبد الملك في بدء بنائه «أريد أن أبني مسجداً لم يبن من قبلي ولن يبني من يأتي بعدي مثله».
ويستعرض أ. قشلان ذلك بما أتى في كتاب المقدسي «أحسن التقاسيم» حول جمالية عمارة الجامع الأموي وما احتوته جدرانه من فنون الفسيفساء الملونة والمذهبة ورخامه المجذع، أيضاً أتى في كتاب النويري -نهاية الأدب- ذكر للقصر الذي بناه المتوكل وسماه البرج حيث احتوى صوراً عظيمة وإضافة إلى تماثيل من ذهب وفضة، أما كيف تبلورت شخصية الفن العربي الإسلامي الجديد فقد لخصها أ . ممدوح قشلان بما يلي: طموح الصانع إلى الكمال الفني وقدرته على الصبر والأناة وتضحيته بالوقت في سبيل ذلك، لما تحتاجه الزخارف والنقوش والمنمنمات في جزئياتها الدقيقة من جهد ودقة، حتى يصل بهم الأمر إلى حد الصوفية والابتكار والإبداع، أيضاً النقطة الثانية وهي أن النتاج الفني الإسلامي كان مجهول هوية الصانع أو الفنان إذ كان يكتب على البناء المشاد أو التحفة اسم مالكها أو من أنفق على التشييد وبذلك يبقى من كان له الجهد مجهولاً، فهل فكرنا يوماً بمن خلدوا هذه الفنون العظيمة أن أنها تماهت في الكل لتشكل طرازاً عربياً إسلامياً.
الابتكار
ويمضي بنا أ. قشلان حول ما قدمه من رؤى اتجهت إلى الذات الداخلية وذلك بما ينسجم مع المعتقدات الدينية فتوصلوا إلى أسلوب مبتكر وهو الزخرفة، فاتجهوا إلى الطبيعة واستقوا منها موضوعات زخرفية الأغصان، الأوراق، الأزهار مؤكداً بذلك على سمو الطبيعة وما تمنحه من سكينة روحية وهدوء.. وما يطرحه الأستاذ قشلان حول الفن الإسلامي بأنه يقوم على المحاكاة والإبداع في تصور المكان.. وبذلك لا يقف عند ظواهر الشكل الخارجي وإنما التجريد المطلق وصولاً إلى أشكال جديدة فيها الوحدة والتكرار والترابط والإيقاع واللون.
الفن الإسلامي لم يحاول التشخيص بل مارسه، وليس التشبيه حيث زخرف الكتب وشروح الموضوعات العلمية والطبية والجغرافية والفلكية، أيضاً احتلت الزخرفة مكان التصوير التعبيري مكانتها ونجد بذلك التوريق «الأرابيسك» مشتقاً من شكل ورق العنب والأزهار والثمار ، هذه الزخرفة أعطت للفنان آفاقاً واسعة للابتكار، أيضاً كان لكل قطر من الأمصار سمته الخاصة وطابعه في الخط، فالكتابة في الطراز التركي أو المغربي أو الشامي أو الفارسي تختلف عن الآخر بقواعدها.
ومن النماذج الرائعة الدالة على روعة صنعتها مخطوط البستان لسعد الشيرازي وهو محفوظ في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة وهو من أروع المخطوطات الإسلامية ورسمه الفنان كحل الدين بهزاد في القرن الخامس عشر ولقب آنذاك بمعجزة العصر حيث تميزت رسومه بعناصر إنسانية موزعة على مساحة اللوحة.. مبدعاً بذلك المنمنمات، أيضاً من الكتب التي أقبل عليها الخطاطون للتجميل والتزيين بالرسوم كتاب كليلة ودمنة، لبيدبا الهندي وترجمه ابن المقفع، أما ما فاقهما روعة وجمالاً كتاب مقامات الحريري وفيه تروى مغامرات الحارث بن همام وأبي زيد السروجي والذي ألفه الحريري أبو محمد في بغداد القرن السابع الهجري.
ويختم بالقول: لقد تأثر مجموعة من كبار فناني القرن فبحثوا فيها مثل ديلاكروا ، مايتس موندريان ولكن يبقى التساؤل الأكبر إرثنا وحضارتنا نحن أصحابها وصناعها لماذا نهملها ونتطلع إلى ما يبدعه الآخر رغم أن كل ما بني من حضارات سابقاً كان جزءاً كبيراً منه مستقى من الحضارة العربية الإسلامية.