قال لي في آخر لقاء بيننا في مقهى «حمشدو» بساحة البازار:
هل تعرف حكاية قاسم دق البسمار مع الأرملة التي استلطفها وأراد أن يشق معها نغماً؟
قلت: لا والله. وإذا سمحت إحكها لي من البداية وبالتفصيل.
قال: كانت زوجته المرحومة تضيق عليه الخناق وتحاول حجز حريته ليقينها أنه شخص متهور يمكن أن يرتكب أخطاء تؤدي إلى تلويث سمعة الأسرة.. وهذا ما حصل بالضبط بعد وفاتها إذ إنه انفلت في الشوارع مثل الغزال الداشر، وأخذ يدور على حل شعره، الأمر الذي أوقعه في مآزق لها أول وليس لها آخر.
قلت: مآزق؟
قال: طبعاً.. فقد تعرض للضرب في إحدى المرات لأنه سعل وتنحنح أثناء مرور امرأة في الشارع، وإذ بثلاثة من الشبان أقلهم عزماً يضاهي في ضرب البوكس وحش الشاشة «فريد شوقي».. ونزلوا به لكماً وتبكيساً وتعجيقاً بالأقدام ولولا أن تدخل أولاد الحلال وخلصوه منهم لكان قضى نحبه تحت ضرباتهم!
وفي مرة أخرى استجابت إحدى النساء لسعاله ونحنحاته وطلبت منه أن يلحقها إلى بيتها فهرول وراءها كما يهرول الجدي وراء والدته السيدة عنزة.. حتى وصلا إلى باب بيتها، فدعته إلى الدخول، وبمجرد ما أصبح نصفه ضمن فتحة الباب أغلقته عليه، فراح يصيح ويستجير، وراحت هي تقرعه وتوبخه بسبب وقاحته و(قلة حيائه) وإقدامه على مغازلتها، وكان حرياً به - على حد تعبيرها - أن ينظر إلى وجهه في المرآة ويرى كم هو بشع قبل أن يعتدي على أعراض الناس!
قلت: أرى أن هذه المرأة لم تكن منصفة، فقد وضعته في هذا الموقف دون أن يتجاوز هو حدود اللباقة معها. كل هذا لأنه تنحنح؟
قال صمود: بل هذا كله لأنه منحوس، أو لعل (موديله) غير مرغوب فيه لدى النسوان.. وفي كل الأحوال أنا لا أستطيع تفسير هذه النقطة لأنني رجل ولا أفهم كثيراً بدواخل النسوان ومشاعرهن. على كل حال أنا لم أصل بعد إلى المشكلة الأجمل التي تعرض لها قاسم في سياق تصرفاته (الدونجوانية).
قلت: شوقتني لمعرفتها. تفضل.
قال: في صبيحة أحد الأيام كان يعبر أحد الأزقة فرأى امرأة تلحق ولداً صغيراً هارباً منها، فضربته النخوة العروبية وأمسك الولد وحمله وأحضره إليها قائلاً:
تفضلي يا خيت!
وهو بهذا قد ارتكب أول غلطة وأكبر غلطة يمكن أن يرتكبها إنسان ينوي الدخول في مسألة لها علاقة بالحب مع امرأة حسناء.
قلت: كيف؟
قال: ألا تعرف كيف؟ إن عبارة (يا خيت) التي تفوه بها تعني أنه يعتبرها أختاً له، وهذا غباء مركز إذا لم أقل إنه «جحشنة»!.. المهم في الموضوع.. لزق أخونا قاسم في هذا الزقاق مثل لزقة (بزر الكتان).. كلما فتحت تلك المرأة الباب تجده في خلقتها، إما ذاهباً إلى السوق، أو آيباً منه.. وقد تبين أنها امرأة ذكية، بل وخبيثة، بدليل أنها شرعت تطلب منه بعض الخدمات وإحضار بعض الحاجيات من السوق فينفذ لها طلباتها مثل الفاتحة العسكرية.. (من دون تردد أو تذمر).. إلى أن جاء يوم خطرت له فكرة جهنمية قد لا تخطر للأبالسة والشياطين! هل تحزر ماذا فعل؟
قلت: انتظرك لتقول.
قال: كان على ما يبدو قد اتخذ قراراً جريئاً بأن يخطو خطوة إلى الأمام في العلاقة معها، خطوة تزيد قليلاً عن كونها تعامله معاملة (العتال) حينما جعلته يذهب إلى السوق ويرجع منه بطريقة (سري مري)، أو مثل مكوك الحائك! وكانت هي قد أوصته على (شليت) خس، أتى به، وأنزله عن كتفه وقال لها وهو يبتسم.
الآن التقيت بأبيك وسلمت عليه.
دهشت المرأة وعبرت عن ذلك بابتسامة جميلة، فتشجع قاسم وقال لها:
ما شاء الله كان.. أبوك له عزم قوي.. فمع أنه ختيار فقد صافحني وعص على يدي فكاد أن يكسرها.
لم تستطع المرأة أن تسيطر على نفسها من شدة الضحك، وأعلمته دون أن تتوقف عن الضحك أن أباها ميت منذ أكثر من عشر سنوات.
ذهل قاسم وحك رأسه وقال لها وكأنه يكلم نفسه:
لازم (يكون ميت!) لكان معقولة يبقى على قيد الحياة حتى الآن؟!