تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ثم ..تصرف الحسين بن الضحَّاك.. مع الأمين

ساخرة
الخميس 21-5-2009م
كانت للشاعر الحسين بن الضحاك (162 - 150 هـ = 779 - 864 م) مواقف وطرائف تضحك الثكلى، وكان من جانب آخر يجرح ويداوي، غير أن عظيم اهتمامه كان منصرفاً إلى الخليفة الأمين الذي كان ينادمه ويجالسه، وكان هذا يغلظ في تعامله مع الشاعر أحياناً.

إذاً كانت صلة الحسين بن الضحاك بالأمين في منتهى الوثوق والقوة، ولكن هذا لا يعني أن أيامه في صحبته كانت كلها هناءة ومسرة وإقبالاً، وكان الحسين يعرف تقلبات أمزجة مجالسيه من الخلفاء، حتى ينتقل الواحد منهم فجأة من قطب الرضا والضحك والطرب، إلى قطب الجهامة والعبوس والغضب، ولا شك أن معرفته هذه كانت وراء هذه الأبيات التي تنسب أيضاً إلى الحلاج:‏

نديمي غير منسوب إلى شيء من الحيف‏

سقاني مثلما يشرب فعل الضيف بالضيف‏

فلما دارت الكأس دعا بالنطع والسيف‏

كذا من يشرب الراح مع التنين في الصيف(1)‏

الحسين يروي واقعة طرده‏

وقد طرده الأمين مرة من مجلسه شر طردة.. وهو يحكي هذه الحادثة بنفسه فيقول: «دعاني الأمين يوماً فقال لي: يا حسين، إن جليس الرجل عشيره وثقته وموضع سره وأمنه، وإن جاريتي فلانة أحسن الناس وجهاً وغناء، وهي مني بمحل نفسي، وقد كدرت علي صفوها ونغصت علي النعمة فيها بعجبها بنفسها وتجنيها علي وإدلالها بما تعلم من حبي إياها، وإني محضرها، ومحضر صاحبة لها ليست منها في شيء، لتغني معها، فإذا غنت، وأومأت لك إليها - على أن أمرها أبين من أن يخفى عليك، فلا تستحسن الغناء ولا تشرب عليه، وإذا غنت الأخرى فاشرب واطرب واستحسن واشقق ثيابك، وعليّ مكان كل ثوب مئة ثوب، فقلت: السمع والطاعة.‏

الحسين بين مغنيتين .. في مجلس الأمين‏

جلس الأمين في حجرة الخلوة وأحضرني وسقاني وخلع علي، وغنت المحسنة، وقد أخذ الشراب مني فما تمالكت أن استحسنت وطربت وشربت، فأومأ إلي - الأمين - وقطب في وجهي، ثم غنت الأخرى فجعلت أتكلف ما أقوله وأفعله، ثم غنت المحسنة، فأتت بما لم أسمع بمثله قط حسناً، فما ملكت نفسي أن صحت وشربت وطربت، وهو ينظر إلي ويعض شفتيه غيظاً، وقد زال عقلي فما أفكر فيه حتى فعلت ذلك مراراً، وكلما ازداد شربي ذهب عقلي، وزدت مما يكره ويغضب، فأمضني، وأمر بجر رجلي من بين يديه وصرفي»(2).‏

وهكذا فإن الحسين تصرف كشاعر فنان لا.. كنديم متملق منافق لا رأي له.. وقد كلفه ذلك أن الأمين منع اتصاله به طوال شهر، وحين وصله، فقد كانت الجارية نفسها وراء ذلك، إذ إنها هي التي ذكرت الأمين بالحسين وسألته الرضا عنه، ففعل ووصله بعشرة آلاف دينار.. ووصلته الجارية أيضاً، وقد كان الأمين صريحاً صادقاً عندما رآه في أول لقاء بعد هذه الجفوة، فقد قال:‏

الأمين يعترف للحسين بعد الجفوة‏

«والله لو كنت فعلت ما قلت لك، حتى تعود الجارية إلى مثل هذه الحال - أي رضاء الأمين - ثم تحقد عليك فتسألني ألا تصل إلي.. لأجبتها»(3). لهذا.. كانت فجيعة الحسين بالأمين يوم وفاته كبيرة، وقد رثاه بما لم يرث صديق صديقاً غالياً، ولا أخ أخاه.. حتى إن الشاعر الزاهد أبا العتاهية عاتبه ولامه في حبه قائلاً:‏

نصيحة الشاعر الزاهد أبي العتاهية‏

«يا حسين أنا إليك مائل ولك محب، وقد علمت مكانك من الأمين، وإنه لحقيق بأن ترثيه، إلا أنك قد أطلقت لسانك من التلهف عليه والتوجع له، بما صار هجاء لغيره وثلباً وتحريضاً عليه، وهذا المأمون مُنصّب على العراق، قد أقبل عليك، فأبق على نفسك يا ويحك واكفف غرب لسانك، واطو ما انتشر عنك، وتلاف ما فرط منك»(4).‏

وكان هذا وحده كافياً كي ينفر المأمون منه فلا تطيب نفسه أن يغشى مجالسه، أضف إلى ذلك أن المأمون كان رجل علم وجد قليل الميل إلى اللهو.‏

الهوامش:‏

(1) وردت كلمة الراح عند المؤلف هكذا: الخمر.‏

(2) و(3) نديم الخلفاء - تأليف: عبد الستار فراج - ص: 71- 72- 73.‏

(4) المصدر السابق - ص 74.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية