وننشر حالة الوعي به ونلتقط مصادر الثقافة التي تنطلق من هذا العدوان ومنه تنتشر وفي حيثياته تتشكل الأطر القريبة والبعيدة التي تؤشر على أمرين متلازمين، طاقة المواجهة الوطنية وسموها كأمر أول بل كعنوان أساسي أول ومجمل الاتجاهات والاختلاطات التي تقذف إلى الواقع بإرادة متعمدة كأمر ثانٍ.
ويبدو أن الصراع في أحد أهم وجوهه ومستوياته يقع مابين سمو الموقف الوطني وتناقضات الظرف والقوى التي ترافق هذا الموقف في مسعىً لإرباكه أو تشريده أو إضعاف بعض حقائقه وتجلياته، إن المعركة المصيرية بهذا المعنى هي ثلاثية الأبعاد من حيث المنطلقات والقوى الداخلة في هذا الصراع والمهمة الكبرى للإعلام الوطني وللثقافة الوطنية وللنخب السياسية الحية هي أن تضبط الصراع بين محورين لاثالث لهما، المحور الوطني بكل تقسيماته وتشكيلاته والمحور العدو بكل توزعاته ومسمياته وهنا تكمن وحدة القوى الاستعمارية الحاضنة والأنظمة السياسية الخائنة والأدوات الإرهابية مهما ادعت ومهما رفعت من شعارات مغتصبة، لايوجد محور ثالث أو بعد ثالث في هذا الصراع والمقياس يتوضع وينتج آثاره ومقدماته المتلاحقة في العلاقة مابين موقف الوطن والموقف الذي يستحوذ على الانتهاز والتلطي خلف المواقف والذهاب بعيداً في أنفاق الأزمة نحو الذاتية المفرطة ونحو الاستهلاك ونحو التقديرات المحاصرة مابين النزعة الفردية والشعارات الشكلانية.
وهذا البعد في الصراع يقع على كاهل القوى الحية التي تعطي كل مداها في الميدان حيث الشهادة والشهداء وعلى كاهل القوى السياسية والاجتماعية المبثوثة في مفاصل الدولة والأحزاب وفي مسطحات الحياة الاجتماعية العامة إن كل تشريد أو انحراف عن مسار الصراع بين محوري الأزمة، أعني الوطن والقوى المعادية له، سوف يسبب نتائج ثلاث هي بذات مستوى الخطر من الإرهاب، أما النتيجة الأولى فهي إرباك الأداء الوطني واقتطاع أجزاء منه تحت جنح الظلام وبمنطق الادعاءات الكاذبة ومن داخل المنظومة الوطنية وهذا التوجه هو الذي يشكل مايشبه طعنة في الظهر، فكيف يمكن أن يستقيم المشهد الوطني وهناك من يقاتل حتى حدود الشهادة ومن لاتجد عائلته من آلاء الحياة ومتطلباتها إلا الحد الأدنى الكريم وهو الذي يؤمن للشهادة استمرارها وللمقاتلين في الميدان قوة الاندفاع وطاقة الصبر والاحتمال وتوهج الموقف مع كل معركة وعند كل تحول ميداني.
كيف يمكن أن نصمت على التعامل مابين هذا الانبعاث الوطني وبين نماذج ساكتة أو منتظرة أو مستغلة أو تمارس دورها في الدولة بإصرار وأساليب ملتوية، إن الصراع الشامل والمصيري يتأذى كثيراً من خلال أخذ قوى الوطن الحية نحو هذا المسار المفتعل والذي يقوم على فكرة إعاقة منابع التغذية الوطنية للمقاتلين في الميدان والمقاتلين في السلوك وللمقاتلين بأخلاق الشهادة والشهداء، ونعلم بأن المعايير المنهجية لن يكتمل بنيانها وحضورها حتى اللحظة في مواجهة إرادات التشريد والاقتطاع والإعاقة التي تمارسها شرائح ويمارسها أفراد ومنهم الكثير في المواقع المسؤولة.
والمعايير هنا صارت تضغط باتجاه إنجاز هذا الأمر وجميع هذه المعايير تقتبس من الميدان من مواكب الشهادة والشهداء حيث تشع حزمتان من هذه المعايير، حزمة تؤكد بأن محور العطاء في الميدان هو الأساس وهو المصدر الحيوي وهو القيمة الكبرى التي لابد أن تفرض حضورها في حياتنا العامة والخاصة وحزمة أخرى كاشفة وملتهبة لابد لها أن تطارد مواقع الغش والترهل وأن تنسف معطيات الادعاء فالمعركة المصيرية لاتحتمل مجرد التغني ومجرد الإيقاع النمطي في التعامل مع الوظيفة العامة ومع الدور الاجتماعي، لانطلب من هذه الشرائح المنتشرة والمتكاثرة في جسم الدولة والمجتمع أن تعتنق الشهادة وأن تتحول إلى شهداء فذلك خيار لايجدي معه الطلب أو الفرض إنه نابع من مكونات ذاتية في الفرد وأخلاقيات بيئية في هذا الموقع الاجتماعي أو ذاك وثقافة ومعتقدات انتقلت من الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد، لذلك نلاحظ أن أبناء الشهداء هم الشهداء الآن وأن أبناء الفقراء بمقياس الدنيا وأغراضها هم الشهداء العظام ولانتوقع من القوى الضالة أن تصل إلى مستوى الشهادة ولكنا نطلب ونطالب بأخلاقيات الشهادة والشهداء بأن تنتشر هذه الأخلاقيات وفي عمقها مناقبية الشرف والنزاهة والأداء المتطور والانضباط في المشهد المعاشي.
فالشهادة ومرتسماتها في المجتمع موكب واحد من حقيقة واحدة، ذلك أن الصراع الملتهب الآن هو تحول نوعي كبير في حياتنا ولن يكون مجرد فرصة يقتنصها هذا الفرد أو ذاك ويعيقها هذا الموقف أو ذاك عبر الممارسات الخارجة عن أخلاقيات المواجهة وعبر الزواريب التي تستنفز ولاتضيف، تدعي ولاتندمج ، إن الصراع في الفكرة الأساس لايجوز أن نبقيه في محاور ثلاثة الوطن والموقف المشرف وقوى التشريد والانتهاز لابد من حسم البعد الثالث ذاتياً أو بالمعالجة المنظمة لأن المجهودات الأساسية هي في الصراع الوطني المصيري مع عدو خطير غاصب....