وظهور سياسات أخرى جديدة بالضرورة, أو- على الأقل-حدوث تغيير في أساليب الممارسة السياسية. لكن استنتاجاً من هذا النوع لا يبدو واقعياً في المدى القصير على الأقل, وشبح شارون سيبقى قائماً ومؤثراً في السياسة الصهيونية لبعض الوقت, وبأشكال متنوعة, ولن تغيب ظلاله عن المسرح إلا بعد زمن. وإذا أردنا تلخيص الاعتبارات التي تعود إلى مثل هذا الاستنتاج, فمن الممكن تحديدها بما يلي:
1- لقد تحول أرئيل شارون خلال السنوات الأخيرة إلى (ملك صنم) بالنسبة للصهاينة, وتجاوز في هذه الصفة طاقات القوى السياسية (الأحزاب) القائمة على أرض الواقع. ويمكن تشبيه هذا (الملك الصنم), في سيرته ونهايته,بصنم سلتي ضخم كان يحف به اثنا عشر صنماً صغيراً, وهو عدد وإن كان يشير إلى شهور السنة, إلا أنه في حالة الصهاينة ينطوي على دلالتين رمزيتين: الأولى تتمثل بعدد أسباط (بني إسرائيل)والثانية هي الأغلبية المتحققة لشارون داخل حكومته, والمعبرة عن استمرارية سياسته في تلك الحكومة, حتى بعد غيابه. والطريف أن نذكر هنابأن (الملك الصنم) الذي يمثله شارون, كان اسمه السلتي هو (قروم قرواح), وهواسم يعني (الأعوج الدموي) تماماً مثلما هو شارون في سيرته أعوج ودموي, وقد انتهى هذا الصنم ليحمل اسم (قن قرويح) أي (الرأس المدمى). وهذا بالضبط ما حدث للأعوج الدموي شارون, حين تحول دماغه النازف إلى حقل لدمه, بعد أن كان هذا الدماغ يدبر المجازر, ويديرها, وسفك الدماء في كل اتجاه. غير أن (الملك الصنم) يبقى بالنسبة لأتباعه ملكاً صنماً حتى بعد نهايته الدامية, ولذلك, فإن شبحه يستمر قائماً مع حزبه المستحدث (كاديما). ولن تكون الفترة القصيرة بين شارون وانتخابات الكنيست كافية لإخراج (الملك الصنم) من رؤوس السالكين في عبادته من الصهاينة, كما أن هؤلاء ليسوا مؤهلين أصلاًلفهم الدلالة الرمزية في انتهاء (الأعوج الدموي) إلى (رأس مدمى).
2- إن شركاء شارون في سياساته الدموية, هم أكثر عملياً من أنصار حزبه المستحدث (كاديما). فالأحزاب الصهيونية بشكل عام تتبنى سياسة شارون الدموية وحظوظ اليمني المتطرف في الفوز بأغلبية كبرى من مقاعد الكنيست هي حظوظ مؤكدة ما يعني أن أي تشكيلة حكومية صهيونية قادمة ستواصل عملياً سياسة شارون الدموية العدوانية. ومعروف أنه حتى حزب العمل الصهيوني لا يستثنى من الممارسات الدموية, كما أثبتت حكوماته في الماضي.
3- لقد غاب شارون عن الادارة اليومية للسياسات, لكن سياساته وخططه تحولت إلى أعمال تنفيذية على الأرض, مثل جدار الفصل العنصري, وتوسيع الاستيطان,ومحاصرة قطاع غزة, وما أبعد من ذلك من سياسات اقليمية أو حتى عالمية. وأي حكومة صهيونية تخلف حكومته الحالية, ستجد نفسها تواصل تنفيذ خططه, أي أنها ستكون عملياً, تحت تأثير شبحه. وسيبقى هذا الوضع قائماً لبضعة سنوات على الأقل. وعموماً, فإن مارسمه شارون في سياق السياسة (الصهيونية العملية) سيبقى محور العمل الصهيوني عملياً, مهما كانت التبدلات في تشكيل الحكومات الصهيونية.
4- إن شبح شارون سيستمر فاعلاً بشكل خاص في مؤسستين هما: وزارة الحرب الصهيونية التي يتولاها شاؤول موفاز ومن تحت إمرته من رؤساء أجهزة, وضعت لهم - ومنذسنوات عديدة- خطط عمل لمهمات عسكرية يومية ضد عرب فلسطين في الضفة والقطاع بشكل خاص, ثم الموساد الذي اختار شارون لإدارته مئير داغان ومعاونيه, على خلفية خبرتهم في العمل التخريبي على الساحة اللبنانية, دون أن نستبعد من الذهن ممارسات الموساد في القطر العراقي, أو الخطط التي يرجح أن يكون قد تبناها شارون للتعامل مع ايران في ضوء (الملف النووي الايراني) الذي يرى فيه الصهاينة خطراً داهماً على الاستراتيجية الصهيونية العدوانية التوسعية. فمن المؤكد أن المؤسسة العسكرية الصهيونية بكل مكوناتها ستواصل تنفيذ السياسات التي رسمها لها شارون والتي كانت محور اهتمامه العملي طوال الوقت, ما يعني أن شبح شارون سيستمر في التأثير إلى مدى زمني غير محدد. ولكن, إذا كان شبح شارون سيستمر لبعض الوقت, وسيكون له المزيد من الضحايا, فإن السؤال الذي يطرحه الضحايا هو عن تلك الأشباح التي يحتمل أن تكون قد واكبت شارون تحت تأثير (الغيبوبة المصطنعة)وفي ظل (الرأس المدمى) والتي تجعله يسدد بعض فواتير جرائمه التي تواصلت على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن.