البشرية منذ عام 2001 والحوادث المفتعلة في الولايات المتحدة الأميركية، واعتقاد أميركا والإدارة الصهيونية أن الأمر قد استتب لها على قاعدة الحرب الدولية على الإرهاب الدولي ومن هذه الحرب تصبح قضايا التحرر الوطني المشروعة، مؤجلة بحكم أن الأولوية ليست لها فتترك الأمم المحتلة أرضها وحقوقها الشرعية والمشروعة لتستدير عاملة مع تحالف العالم ضد الإرهاب ولو أن أميركا لم تسعَ إلى توصيفه وتحديده حتى تكون الساحة أمامها في كل بلد من بلدان العالم مرهونة بالقناعة الأميركية والمصالح الأمروصهيونية، لا أن تكون من حق الشعوب صاحبة الأمر والحق والنضال.
وقد كان واضحاً للمحللين وعلماء السياسة والاقتصاد أن الولايات المتحدة قد افتعلت الحدث لكونها بعد مضي عقد من الزمان – أي منذ1991-2001- لم تتمكن من إدارة العالم منفردة كقطب وحيد في نظام دولي مفروض تحت راية القرار الواحد للقطب الواحد. ومع أن الحسابات الأميركية ليست بسيطة إلى الحد الذي يضيع معه أن لا تتمكن من إدارة العالم أميركياً، بل ستديره صهيونياً بحكم اللوبي الصهيوني الممسك بالمركب الصناعي المالي العسكري والنفطي فيها لكنها ليست لديها فرصة لتحديد الخيار حيث إن الخيار الوحيد هو خدمة المشروع الصهيوني على أرض العرب، ولو احتاج الحال إلى شن الحروب واحتلال دول، وتخريب منجزات البشر على أي رقعة وفي أي أمة فالمهم هو الوصول إلى أهداف الصهيونية من الإدارة الأميركية.
وإذا كنا نريد دليلاً على دقّة ما نذهب إليه فيمكننا أن نعيد قراءة تصريح المرشح الأميركي الجمهوري للرئاسة الأميركية حينما زار إسرائيل مؤخراً، وقال:«إن الشعب الفلسطيني غير موجود أصلاً، فهو قضية اخترعت لاحقاً ونلاحظ في كلامه الممالأة الأعظم لإسرائيل حيث إن القادم من المرشحين الأميركيين للإدارة الأميركية لا بد أن يكون صهيونياً بالمطلق، وربما لا يُسمح له أن يكون أميركياً بالنسبية، أي بأي نسبة كانت.
ومن حسن حظ الأمم المختلفة على جغرافية هذا العالم بأن أميركا القرار الصهيوني لم تنجح في أي خطة استراتيجية اختطتها منذ احتلال أفغانستان 2002 إلى احتلال العراق 2003، إلى تدخلاتها في بقية الأقطار العربية وفي العالم ولا سيما ما تورطت به في جورجيا، وفي الدرع الصاروخي في آسيا الوسطى، ومؤخراً في تركيا، وما حاولت به الضغط على إيران بحجة السلاح النووي بالبرنامج النووي السلمي لديها. ومن مجمل مؤثرات الفشل الأميركي في سياسات ما وراء البحار، ومن الحروب العدوانية التي شنتها، ومن الإنفاق – رغم نهبها لخيرات الخليج – على جيوشها حتى تحمي العروش التي بدورها تحمي إسرائيل، تسببت أميركا لنفسها ولأوروبا العجوز التابع معها بالأزمة المالية وبدأت سياساتهم الخارجية والداخلية تتهدد بالخسائر الإستراتيجية الفادحة، ولم يعد بالإمكان أن تشنّ أميركا حروباً عدوانية بالأكلاف الأوروبية، وحرب الأطلسي على ليبيا كانت الدليل المهم. واليوم بعد عقد آخر من الزمان على الاستراتيجيات الأمروصهيونية نتلمس التراجع الكبير في قدرة هذه الاستراتيجيات على اغتصاب الإرادة العالمية، والقرار الدولي، وخاصة بعد أن ظهر بوجهها الفيتو الروسي والصيني من أجل سورية.
وكي تتهرب أميركا من الاعتراف بهزيمتها في قيادة النظام الدولي – وكم حاولت أن يكون نظام دولتها نظاماً دولياً – فهي تشجع اليوم، وتقود عملية التدخل المباشر بالشؤون الداخلية للأمم الأخرى، ونسف القواعد القانونية، والأخلاقية للقانون الدولي؛ بل نسف كافة المعاهدات التي اتفق عليها في نتائج الحرب العالمية الثانية 1939-1945 حتى تدخل العالم في الفوضى العالمية فتتخلص من عقابيل فشلها، وتمنع أي إمكانية لظهور قطبية في وجهها لأن هذه الأخيرة لن تكون في مصلحة إسرائيل. وبالفعل حين بدأت مشروعها الجديد القديم المستهدف تمزيق الوطن العربي وإقامة المشروع الشرق الأوسطي الجديد والكبير ركبت موجة الربيع العربي وصار شكل السلطة العربية في الدول العربية المستهدفة قضية أهم من احتلال الأراضي العربية، وتهويدها، وخاصة القدس. وأكثر أهمية من غزة وحصارها والدولة اليهودية وأخطارها، وشرعت ماكينة التضليل العالمية، والعربية – بميديا ولا أخطر – تشن الحرب الافتراضية على العرب وبدأت تسقط الأنظمة الرخوة التي لا يؤيدها شعبها، وأضحت أكذوبة الربيع تتحقق وتقدم لإسرائيل الخدمة تلو الأخرى ومن غريب الحال أن تتحول أميركا ومعها إسرائيل من بلدين استعماريين يهددان الوجود العربي والمصير إلى بلدي الحرية وتحرير الشعب العربي من حكامه، والتوجه الفعلي للحرب ضد إيران البلد المسلم الحليف.
ولخدمة هذه السياسة بدأت أميركا تحرك أزلامها وخاصة الخليجيين لكي يشنوا عنها الحرب بالنيابة، وخاصة ضد سورية، وتحولت سورية – بقوة قادر – من بلد الصمود، والمواجهة، والمقاومة، وبلد كل عربي يتم استهداف كرامته إلى بلد النظام السياسي الذي لا يعطي الحرية لشعبه، وقد تكفّلتْ أميركا وإسرائيل للذين يشكون من قلة الحرية في سورية بأن تقوما بتدمير الدولة السورية والوطن – وبناء على طلب هؤلاء – فتتحقق الحرية لفردٍ، ويُدمّرُ وطن الجميع.