فبعد مئة واثنين وثلاثين عاما من الهيمنة الفرنسية على الجزائر يضاف إليها حرب التحرير الجزائرية التي استمرت من عام 1954 الى 1962 كانت كافية لتترك أصداء دامية لا تزال تتردد في أرجاء العالم العربي.
هذا ما كتبه ايفنز في مؤلفه الذي صدر مع نهاية العام 2011 عن منشورات جامعة اكسفورد البريطانية: «الجزائر حرب فرنسا غير المعلنة».
يقول ايفنز لقد كانت تلك المرحلة رمزا لنهاية الامبراطوريات الأوروبية وحدثا في رسم معالم القرن العشرين كما مهدت الطريق لاندلاع حرب عالمية ثم حرب باردة ثم ولادة المفهوم العروبي وحركة بناء الوحدة الأوروبية الغربية من جهة ودول المنظومة الاشتراكية من جهة أخرى.
ان حرب الجزائر تركت جراحا عميقة في المجتمع الجزائري واثار ذات دلالة على المجتمع الفرنسي وقد أدت تلك الحرب الى عودة مليون ونيف من المستوطنين الفرنسيين الى بلدهم فرنسا وهؤلاء هم من تبنى مبادئ اليمين المتطرف الذي يتزعمه اليوم جان ماري لوبين وتستشهد ابنته (رئيسة هذا الحزب) بطروحات اولئك المستوطنين الفرنسيين الذين كانوا مصاصي دماء الشعب الجزائري وثروات أرضه، ويعتمد ايفنز على الأرشيف لتوثيق ماجاء في كتابه هذا ففي تلك الحرب غير المعلنة يضيف ايفنز أعمال العنف والتظاهرات التي هزت الشارع الجزائري نهاية الحرب العالمية الثانية خاصة أحداث أيار 1945 في شرق الجزائر والتي شكلت فاصلا هاما في تاريخ تلك الحرب حيث اندلعت مواجهات مسلحة ارتكب فيها الفرنسيون مجازر وحشية فظيعة من تقطيع أوصال و نثر أشلاء، وكانت عصابات المستوطنين الفرنسيين تهاجم منازل الجزائريين تحت جنح الظلام تساعدها في ذلك مرتزقة تم استئجارها لحساب القوات الفرنسية المستعمرة ولم تكن الجزائر بالنسبة لهؤلاء مستعمرة فقط بل كانوا يرونها جزءا لا يتجزأ من الأرض الفرنسية حيث وحدوا البنى الإدارية منذ العام 1880 ولم يكن مطروحا أبدا انسلاخ الجزائر عن فرنسا كما أن الشرائع كانت قائمة بين الجزائر وفرنسا بسن قوانين قمعية بامتياز ولم تكن تطبق الا على سكان الجزائر.
ويتابع المؤرخ ايفنز في كتابه: وفي الجزائر التي اعتبرها الفرنسيون أرضا فرنسية فقد رسخوا طابع التمييز العنصري حتى على صعيد التوزيع السكاني،فالأوروبيون بجهة واليهود بجهة أخرى والجزائريون لهم جهتهم وكانت تلك الفئات تسكن في أماكن متباينة منفصلة عن بعضها البعض ولم تكن تختلط الا نادرا.
ويستطرد الكاتب قائلاً: وكان الموعد الطارئ على تلك المرحلة هو عام 1999 حين جاءت الجمعية الوطنية الفرنسية بأن معركة الاستقلال كانت حربا بكل معنى الكلمة.
ولابد من القول إن امتداد الثقافة الفرنسية من باريس الى المستعمرات الفرنسية في افريقيا الوسطى والغربية عبر فوق جسر يدعى الجزائر.
ويتابع ايفنز في تفاصيل معركة الجزائر عام 1957 وتعذيب المثقفين والنخب الجزائرية على أيدي القوات المستعمرة: لقد كتب أحد الجنود الفرنسيين رسالة يقول فيها: اذا أقيمت محكمة جديدة ل نورمبرغ يوما ما فمن المؤكد أننا سنقدم الى تلك المحكمة كفرنسيين مذنبين.
ويستشهد ايفنز بعبارات كثيرة من رائعتي البير كامو (المولود في الجزائر): «الطاعون» و «الغريب»، ومن الكلمة التي ألقاها كامو أثناء تسلمه جائزة نوبل عام 1957 والتي أدان فيها أعمال العنف في الجزائر ومن بعضها:
لم أكتب يوما في حياتي كلمة الا وكان لها صلة من قريب أو من بعيد بالأرض التي ولدت فيها فالى تلك الأرض والى مأساتها والآمها تتجه أفكاري.