من هنا، بإمكاننا القول: إن الحلم كان شريك (الليندي) في تجربتها الروائية، لطالما وباعترافاتها لم تكن تجد أي حل للمشكلات التي كانت تعترضها أثناء الكتابة، إلا في حلم تراه.. وهذا ما حصل لها حين أرادت أن تختم روايتها (بيت الأرواح) وذلك حين أنقذها حلم تراءت فيه جدها مسجى وهي تحدثه: هي أيضاً، تكتب أحلامها.. وحين تحلم بأطفال فهذا يعني أنها تحلم بكتب جديدة.. ولهذا فإنها لا تحلم بهم إلا عندما تبدأ الكتابة.
الأديب الروسي (جنكيز ايتماتوف) بمقدار ما اعتبر الحلم هروباً من الواقع بمقدار ما اعتبره ارتفاعاً فوقه إنه برأيه إحدى أدوات السيطرة على ما يحيط بالإنسان.. وهذا ما يتضح في أعماله التي نجد فيها أبطالاً يحلمون ليستمروا والذي كان أكثرهم قدرة على الحلم بطل روايته (الكلب الأبلق) حيث عظمة الإنسان عندما يتخذ من الحلم وسيلة لمقاومة كل ما يحيق به من أخطار الطبيعة يقول فيها:
«الإنسان يرى نفسه خالداً وحراً في أفكاره وفي أحلامه أيضاً.. فبالحلم يصعد إلى السماء ويغوص في أعماق البحر وهذا مصدر عظمته».
أيضاً هناك أدباء انسابت حياتهم بانسياب الحلم وإلى الدرجة التي هيمن فيها هاجس ما يتراءى لهم على أفكارهم وإبداعهم، وبكل ما في هواجسهم من تشاؤم ومصاعب ويأس تجسد في العجز عن إخضاع الواقع لقوانينهم وعن مقاومته بالحلم.
إنها الروائية الإنكليزية (فرجينيا وولف) التي ولأنها كانت دائمة الحلم بأنها تجري مع الحياة جسدت ذلك في أغلب رواياتها حيث انسياب المياه لديها كان يرمز إلى انسيابها مع الزمن وبلا حدود وهو ما فعلته عندما أقدمت على الانتحار بفعل تحول أحلامها إلى هواجس جعلت فكرة الموت دائماً تراودها وإلى الدرجة التي كتبت عنها في روايتها (أمواج): «الموت هو عدونا.. إنني أنطلق في وجه الموت».
لكن.. وإذا كان للحلم في آداب الغرب وظائف تختلف باختلاف ما يتراءى لصاحبها إلا أنه لدى أدبائنا.. من ضروريات الإبداع حيث مكانته أساسية في (حكاية بحار) الرواية التي كتبها الأديب (حنا مينه) متقصداً أن يجعل الحلم صديق بطله وفي وحشة دربه وهيمنة أفكاره وهواجسه الهواجس التي جعلت ما يتراءى له أثناء رحلته الطويلة خروج سمكة امرأة من البحر وبما اعتبره أشبه بحقيقة قال عنها: «الحقيقة قد لا تسر القارئ لكنها تحرره من الوهم بعطر الأحلام، إن أفظع الجرائم هي أن يطلي الكاتب الخدع الأدبية بطلاء من حقيقة يقدمها للقارئ بوصفها خلاصة تجربته في مضمار ما».
ننتقل إلى الأديبة (غادة السمان) التي اعتبرت أن علاقة الحلم بالواقع هي العلاقة التي تؤمن بضرورة تزاوجها وفي محراب العقل والوعي حيث تتحد النفس بذاتها دون أقنعة ويصير العقل اللاواعي قوة متضامنة مع الإرادة لا قوة مشتتة لها.
لاشك أن إيمانها بهذه العلاقة جعلها تجسدها في أعمال وإن أرادت أن يكون مضمونها عبارة عن كوابيس رادوتها يومياً خلال الحرب الأهلية اللبنانية إلا أنها وفي نهاية روايتها (كوابيس بيروت) أبت إلا أن تختم بالحلم الوحيد الذي توجت به عملها وبعد العديد من كوابيسها الإبداعية.
أخيراً، ومهما كانت الطريقة التي ارتأى أدباء العالم الغربي والعربي أن يجسدوا بها أحلامهم ضمن أعمال إبداعية.. من الأهمية أن نؤكد على دور الحلم وأساسيته في أعمالهم ولأسباب عديدة ومختلفة منها ما قالته عنه (غادة السمان): «نحن بحاجة دائمة لإنشاء توازن خاص بين حالة الحلم وحالة اليقظة، فالحلم هو مادة حياتنا السليمة وليس مجرد شيء يضاف إلى اليقظة».