فهي نقطة مثالية للعبور إلى سوق إقليمية واسعة النطاق، تضم البلدان العربية جميعها، وتتعداها إلى إيران وأوروبا والجمهوريات الجنوبية الغربية من الاتحاد السوفييتي السابق.
كما أنها سوق يزيد عدد مستهلكيها عن /24/ مليون نسمة ، و بمتوسط دخل فردي (84941) ليرة سورية سنويا ، و من خلال انفتاحها على السوق اللبنانية ( بعد تحرير تبادل السلع وإعفائها كليا من الرسوم الجمركية ابتداء من 1/1/2002 ) والعراقية، فان مستهلكيها يتجاوزون الـ (50) مليونا ناهيك عن الأردن و بقية الدول العربية.
كما أن تنوع التضاريس الجغرافية و المناخات من ساحلي و داخلي و جبلي و سهلي و مرتفع و وادي في سورية يعطي تنوعا زراعيا و سياحيا كبيرين و لا شك أن هذا التنوع ينعكس على التجارة و الصناعة و الخدمات , في وقت تشكل الزراعة 18.5 % بينما تشكل الخدمات 59 % من موارد سورية و هذا ما يتناغم مع معظم الاقتصاديات العالمية
سورية قبل السبعينيات هي بلد زراعي بامتياز و قد كان بحاجة إلى الحفاظ على هذه الميزة و الزيادة عليها بإنشاء صناعات زراعية نمت بين أوائل السبعينيات و حتى منتصف الثمانينات إبان الأزمة الاقتصادية ( 1982-1983 ) التي تعرضت لها سورية و استطاعت بفضل سياسة الاكتفاء الذاتي تحويل تلك الأزمة إلى جسر عبور لمزيد من التمسك بالزراعة باعتبارها حجر الأساس لذلك الاكتفاء الذاتي مع السعي لإيجاد صناعة متطورة تكون رديفة للزراعة و تدعمها , و مع مرور الوقت تطور الإنتاج الزراعي المصنع محليا لتكون له مكانته المحفوظة في كل أنحاء العالم.
و يكفي معرفة أن سورية هي الدولة الوحيدة في العالم لا تستورد اللحوم ناهيك عن أن تصدير زيت الزيتون فيها يحتل المرتبة الخامسة عالميا كما أن إنتاج الحمضيات الذي ارتفع لتتحول فيه سورية من مجرد مستورد للحمضيات إلى واحدة من أكبر الدول المصدرة له لندرك حجم التطور الذي وصل إليه النمو خلال السنوات الأخيرة
في التسعينيات بدأ الاقتصاد السوري ينمو و يكبر خاصة مع صدور المرسوم رقم عشرة المتعلق بموضوع الاستثمار الذي أعطى للقطاع الخاص الأرضية الصلبة للانطلاق بشكل متواز مع القطاع العام و شكل قفزة في الانفتاح السوري على الاستثمارات الخارجية.
نما هذا الانفتاح في عام 2000 و كان من أبرز مشعراته الترخيص لبعض المصارف الخاصة لافتتاح فروع لها في سورية مع ما حملت هذه الخطوة من ضغوط على الاقتصاد السوري تمثل في الآونة الأخيرة بمحاولة إضعاف الليرة السورية إلا أن الإجراءات الصارمة التي قام بها مصرف سورية المركزي حالت دون تنفيذ المآرب الغربية في هذا الاتجاه.
كما أن وجود النفط في سورية دعم ميزانها التجاري بتصدير أكثر من 140 ألف برميل يوميا ناهيك عن الاستهلاك المحلي منه و يمكن للأسواق التجارية في إيران و الصين و روسيا و الهند أن تشكل أفضل أسواق لتصدير الإنتاج النفطي بشكل مريح خلال الفترة الحالية .
و حظيت السوق العربية حتى نهاية عام 2010 ب 45 % من مجمل الصادرات السورية يأتي في طليعتها العراق و لبنان و تذهب بقية الصادرات إلى بقية أنحاء دول العالم ما يعطي تميزا للعلاقة السورية العراقية تجاريا باعتبارها السوق الأكثر استقطابا للبضائع السورية , تليها السوق اللبنانية ب 12.5 % من إجمالي الصادرات و تأتي بعدها سوق أمريكا الجنوبية و إفريقيا و آسيا و روسيا و إيران لتشكل بديلا حقيقيا للسوق الأوربية
روح جديدة
و قد كان لتوقيع مذكرة التفاهم بين وزارتي الاقتصاد و التجارة في كل من سورية و العراق ضخ روح جديدة في دعم الصادرات السورية و رفع كفاءتها و قدرتها التنافسية هذا ما أكده مدير تنمية و ترويج الصادرات في وزارة الاقتصاد السيد حسام اليوسف الذي رأى أن ذلك يصب في سياق تشجيع الاستثمار الهادف لتقوية الصادرات من جهة و لإضفاء حالة من التكامل الاقتصادي و التجاري و الصناعي في سورية و سينبثق عن ذلك إنشاء مركز تجاري لكل من سورية و العراق يقوم بعرض البضائع و القيام بعمليات البيع مباشرة .
و أشار اليوسف إلى أن مذكرة التفاهم بين البلدين تؤمن المرونة في التبادل التجاري بين سورية و العراق بأسعار محدودة و محددة تتضمن أقل هامش ربحي ممكن ناهيك عن تقديم الخدمات المتعلقة بعمليات البيع و عرض البضائع مع اتباع ذلك بما يلزم من من عروض ميسرة للتصدير مع تنمية آفاق التبادل التجاري ليشمل أكبر تنوع ممكن من السلع.
الملفت في هذا السياق هو إعادة تفعيل و افتتاح المركز التجاري الذي تم إغلاقه منذ الثمانينات ليكون بيتا دمشقيا بامتياز تعرض فيه المنتجات الوطنية التجارية و السياحية و الثقافية , و سيشكل هذا المركز فرصة للصناعيين المحليين الذين يعملون ببعض المهن القديمة التي شارفت على الاندثار ( المنتجات ذات الطابع التراثي ) لتقديم أعمالهم بغزارة ما يعيد الحياة لمثل هذه المهن ؟!
30 % من الصادرات
لقد وصل حجم البضائع التي يتم تصديرها إلى العراق 30 % من القيمة الإجمالية للصادرات السورية هذا ما ذكره السيد إيهاب اسمندر مدير صندوق دعم الصادرات و رأى اسمندر أن العراق حاليا هو الشريك التجاري الأول لسورية حيث بلغت صادرات سورية للعراق عام 2010 ما يقدر ب 137 مليار ليرة سورية (( الجدير ذكره أن كامل حجم الصادرات السورية لغاية عام 2010 بلغ 519 مليار ليرة سورية فيما لو تم استثناء النفط ))
وأشار اسمندر إلى وجود مساع دائمة من أجل توسيع الأسواق التجارية كماًو نوعاً سواء كان ذلك بين البلدين أم خارج نطاق العراق .
من جانب آخر يسعى العراق حاليا بالتعاون مع سورية لرفع الصادرات السورية لتصبح معادلة سبع مليارات دولار في عام 2012 بعدما وصل حجم الصادرات السورية إلى العراق في العام الحالي 2011 إلى خمسة مليارات دولار , هذا ما أعلنه مستشار الحكومة العراقية عبد الحسين الجابري في 7-12-2011 وأشار إلى أن ذلك يأتي في سياق خطة اقتصادية لتوسيع التبادل التجاري بين سورية و العراق .
و أشار وزير الاقتصاد و التجارة محمد نضال الشعار في تصريح سابق إلى الحاجة لوجود شراكة استثمارية بين سورية و العراق نظرا للتطور التجاري الذي نما بين البلدين في السنوات الثلاث الأخيرة ما جعل نسبة التصدير إلى العراق تقفز لتصل إلى 45 % مع توقعه بتزايد مضطرد لنمو التصدير في المستقبل
كما ذكر الشعار أنه من المناسب تشكيل شراكات حقيقية و إنشاء مناطق و مدن صناعية يتم فيها استثمار رأس مال البلدين للتصنيع في سورية بنية تصديره إلى العراق بعد التصنيع
و أشار الشعار الى أن هذا الكلام مبني على وقائع حيث طلبت مجموعة من كبار المستثمرين في العراق القيام بذلك و تعتبر مدينة حلب هي المرشح الاقوى لتكون الحاضنة لهذه الرؤية المستقبلية في العلاقات التجارية بين البلدين
و تشجيعا للصادرات قام الشعار بافتتاح فرع في حلب بتاريخ 11-12-2011 يكون تابعا لهيئة و تنمية و ترويج الصادرات و هو الفرع الثاني المفتتح بحلب بعد فرع المؤسسة العامة للمعارض مع الإشارة لتخصيص ميزانية تعادل 14 ضعفا عما كانت عليه سابقا .
ضبط عملية التصدير
لا بد هنا من الإشارة إلى أن الصعوبة في الحصول على الرقم الإحصائي تبقى حجر عثرة في متابعة التطور النوعي لأي قطاع في سورية ففي حالة الصادرات إلى العراق نشير إلى أن هناك كماً غير قليل من التبادل التجاري بين البلدين يتم عبر الشراء المباشر حيث يقوم التاجر السوري أو البائع العادي بشحن البضائع مباشرة إلى العراق ما يجعل هذه التبادلات بعيدة كل البعد عن إمكانية إحصائها الأمر الذي يحتاج إلى متابعة دقيقة من قبل مديرية دعم الصادرات لمعالجة هذا الأمر ما يوفر الأرضية الصحيحة لضبط عملية التصدير.
كل هذه المعطيات و سواها جعلت الاقتصاد السوري يكون واحداً من الاقتصادات النامية التي شقت طريقها بقوة ناهيك عما قدمته هذه السياسة الاقتصادية من جعل سورية ضمن الدول النادرة في العالم الثالث التي ليس عليها أي مديونية لأحد ما يمنحها القدرة على تحديد خياراتها دون اضطرارها للخضوع تحت أية ضغوط إجبارية تفرض عليها.
و هي نقطة قوة لكنها بذات الوقت تفسر سبب الهجمات المتوالية على سورية ليتحول اقتصادها إلى اقتصاد مرتهن للدول الغربية و يحذر الدكتور حسان الخالد كلية الاقتصاد جامعة دمشق من ذلك حيث يرى أن هذا هو واقع الحال في كل الدول العربية ليسهل على الدول الغربية تلك قطع وسائل الحياة عنها بكبسة زر متى أرادوا أو متى فكرت إحدى تلك الدول مجرد تفكير بعمل ما لا يناسب الغرب بأي حال من الأحوال ؟!
و يذكر الخالد أن ما حدث في سورية من أحداث متفرقة و ما حدث حولها من هجوم استخدم فيه الغرب كل صنوف الضغط لإضعافها و إضعاف اقتصادها وجندوا كل أدواتهم داخل سورية و في المنطقة و خارجها منذ 14-3-2011 حتى الآن لكنهم رغم كل ذلك لم يستطيعوا التمكن من سورية , فلا تزال الأسواق المحلية تعج بالمتسوقين و المستهلكين و حتى من الباحثين عن الموضة و الأزياء في كل المدن السورية الكبرى و معظم المناطق على مساحة الوطن أصاب الدول الغربية بالجنون و برهن لهم بالدليل القاطع على عظمة سورية و قوة اقتصادها النابع من كونها دولة لديها اكتفاء ذاتي في معظم القطاعات الزراعية و الصناعية و التجارية و الخدمية ......
و هو أمر يعلنه حتى إعلام رأس حربة الهجوم على سورية و هي أمريكا إذ تشير صحيفة الواشنطن بوست في 3-12-2011 أن الأسواق السورية مليئة بالمتسوقين و هو مؤشر كاف لأن تكون الأمور على ما يرام في سورية و هو موضوع لم تخف الصحيفة أنه لا يروق للإدارة الأمريكية بكل مكوناتها لكنها صورة واقعية واضحة للعيان و لا يمكن تجاهلها و كما خرجت سورية من الارتهان للدولار باتجاه اليورو، و هو أمر أعطاها قوة إضافية , و الملفت للنظر أن إيران كانت سباقة فيها , و ربما كان إيجاد عملة ثالثة قوية ترتبط فيها سورية اقتصاديا هو أفضل الحلول المستقبلية للاقتصاد السوري
تشجيع المحلي
من جانب آخر فالمساعي الكبيرة التي قامت بها سورية لتشجيع الصناعة المحلية أخذت أبعادا كبيرة و هي أحوج ما تكون للتمسك بها حاليا فالصناعة المحلية القوية ووجود إنتاج وطني بامتياز يغني عن الاستيراد هو حاجة دائمة للاقتصاد السوري كما لسواه , حتى لا يبقى البلد مرهونا في معيشته للخارج و من البدهي القول إن وجود المواد الأولية لكثير من الصناعات المحلية يجعل القيام بهذه الصناعات أمرا ميسرا و ذلك خير من إرسال المواد الأولية بأسعار زهيدة إلى الغرب ليقوم الأخير ببعض الرتوش فيتضاعف سعرها من عشرة إلى عشرين ضعفا و ليست صناعة الأحذية ببعيدة عن مثل هذا الكلام حيث يقوم الصناعيون السوريون بتامين الجلود الأصلية و خياطة الحذاء من دون الجزء السفلي فتشتري الدول الأوربية تلك الشحنات و تضع لها الكعب السفلي واضعة عليه بأنه إنتاج ايطالية أو فرنسا أو اليونان أو .........., حيث يشترون زوج الأحذية من سورية بمئة ليرة ليتحول بعد ذلك عندهم لحذاء قيمة الزوج الرخيص منه ب 30 يورو و يصل إلى مئة يورو و أكثر في بعض الأحيان