ولكن الملاحظ أيضاً أن مثل هذه التهديدات والاستعراضات البهلوانية قد بدأت تفقد مصداقيتها أول بأول.
إلى جانب ذلك , هناك تصريحات أميركية وإسرائيلية بأن ثمة خلافات تتسع وتكبر بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الهجوم على إيران , منها أن إدارة الرئيس / أوباما/ تنصح إسرائيل بعدم مهاجمة إيران , ومنها أن إسرائيل ليست على استعدادٍ تامٍ للقيام بهذه الخطوة, هذا مع أن مثل هذه التصريحات تنفي ذكر اسم المُصِّرح بها!.
إذاً, هناك تردد واضح أميركي وإسرائيلي تجاه شن هذا الهجوم على إيران, إلى جانب تصاعد نسبة المعارضة الشعبية لهذا الهجوم داخل أميركا وإسرائيل, وأيضاً تشمل هذه المعارضة الشعبية لهذا الهجوم جزءاً داخل أميركا وإسرائيل , وأيضاً تشمل هذه المعارضة جزءاً من مسؤوليين حاليين وسابقين ومراكز أبحاث متخصصة ومحللين ومعلقين صحفيين وسياسيين.
وبطبيعة الحال, تتذرع الولايات المتحدة وإسرائيل بخطورة ما يسمى بالبرنامج النووي الإيراني على استقرار المنطقة والعالم أجمع وذلك لتهيئة الرأي العالم العالمي للحرب ضد إيران, في الوقت الذي تنفي إيران أي طابع عسكري لبرنامجها النووي, وتبدي مواقف إيجابية بشأن المفاوضات بينها وبين كل من وكالة الطاقة الذرية الدولية والأمم المتحدة, وأميركا وأوروبا.
في الآونة الأخيرة ظهرت نغمة جديدة من التهديدات تركز على أن إيران يمكن أن تقوم بشن هجمات داخل الولايات المتحدة وعلى أهداف إسرائيلية في أنحاء مختلفة من العالم , منها على سبيل المثال تصريحات مدير المخابرات الأميركي عن تهديدات إيرانية متزايدة بالهجوم على الأراضي الأميركية , كذلك ادعى « جيمس كلاير» مدير المخابرات الوطنية الأميركية وهي غير وكالة المخابرات المركزية» سي, أي ,أي» في تقريره السنوي إلى لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الأميركية أن إيران هي في طليعة التهديدات التي تواجه الأمن الوطني الأميركي , وان الإيرانيين هم الآن أكثر استعداداً للقيام بهجمات على الولايات المتحدة .
أما القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي فكشفت أن رئيس الموساد الإسرائيلي « تامير باردو» التقى مؤخراً عدداً من كبار المسؤولين الأميركيين, وبحث معهم كل ما يتعلق بإمكانية قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران....
هذا ولم يعد خافياً على أحد أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان بهذه التصريحات التي تتناقض مع إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية- إيجاد مبررات إضافية لخطط مهاجمة إيران عسكرياً, لكي يبدو أنهما تهددان إيران بسبب برنامجها النووي, وبالتالي تشويه وطمس الحقائق الرئيسية في هذا الموقف وفي مقدمتها أن إسرائيل تملك مئات من الأسلحة النووية وتريد أن تستمر في احتكار امتلاك هذا السلاح.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة ترصد مواقف العرب من هذه القضية,وتعرف تماماً أن الشعب العربي في مختلف أقطاره لم ولن يؤيد شن هجمات عسكرية على إيران ما دامت إسرائيل تمتلك أسلحة نووية , في حين يظهر المسؤولون الإسرائيليون قلقاً واضحاً من احتمالات تطور الموقف المصري في الحقبة الجديدة باتجاه تأييد إيران, ومعارضة لشن عدوان عسكري عليها, ذلك أن انشغال مصر بأحوالها الداخلية لا يمنعها من اتخاذ موقف مؤيد لإيران على الرغم من الضغوط الأميركية التي تمارس على مصر لتبني مواقف مؤيدة لأميركا وإسرائيل ضد إيران وغيرها من المناهضين لأميركا.
إذاً, هناك خشية من واشنطن وإسرائيل من حصول تحول في موقف مصر من إيران معاكس ٍ لموقف النظام القديم من إسرائيل وإيران, وتجسدت هذه الخشية مؤخراً في مؤتمر هرتزليا الذي انعقد في أوائل شهر شباط / 2012/ على لسان الجنرال « كوشافي» مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية/ أمان/ عندما قال: هناك مكونات جديدة في الشرق الأوسط, من شأنها أن تجعل القادة السياسيين يدركون ضرورة الاستماع إلى شعوبهم بعد أن اكتشفت الشعوب قوتها في إطاحة النظم الحاكمة»,وأشار أيضاً إلى أن مصر ستواصل القيام بدورها المحوري في التأثير في المنطقة وفي إعادة تشكيلها من جديد.
لقد أكد الباحث « باتريك كلارسون, وهو باحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى , المعهد الذي يشكل الآن ذروة في قوة اللوبي الصهيوني في أميركا في مجال التأثير على صنع قرارات السياسة الخارجية الأميركية, أكد أن إسرائيل تهاجم إيران منذ عامين, أي إن إسرائيل لم تكشف طوال السنتين الماضيتين عن الحديث حول مهاجمة إيران, في الوقت الذي يصر « ألان غريش», رئيس تحرير صحيفة لوموند بلوماتيك الفرنسية أنه من الصعب استيعاب إستراتيجية الرئيس الأميركي /أوباما/ تجاه إيران لاتّسامها بالتناقض على حد قوله , وأضاف غريش بأن الولايات المتحدة تطلق التصريحات التي تعبر عن تضامنها مع إسرائيل وتصميمها على منع إيران من امتلاك قنبلة نووية, في حين تؤجل المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة و إسرائيل, كما تقوم وزيرة الخارجية الأميركية «كلينتون» بإدانة عملية اغتيال العالم النووي الإيراني « روشان» فضلاً عن تقديم أجهزة المخابرات العالمية ومنها الأميركية معلومات تفيد بتورط الموساد الإسرائيلي في قتل العلماء النوويين الإيرانيين لجعل الأمر أكثر غموضاً ....!
كذلك جاءت تصريحات وزير الدفاع الأميركية « ليون بانيتا» متناقضة حول البرنامج النووي الإيراني ففي /2/ كانون أول الماضي قال: « إن إيران ستكون قادرة خلال عام واحد على إنتاج أول سلاح نووي لها « وعاد ليقول في الثامن من كانون الثاني لهذا العام /2012/ إن إيران غير راغبة في صنع قنبلة نووية.
هذا وقد أرجع بعض المحللين الأميركيين هذا التناقض في الموقف الأميركي إلى عدة أسباب منها:
- الاعتبارات الناشئة عن حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية وتذبذب شعبية /أوباما/ بين الصعود والهبوط.
- تركيز أمريكا في الفترة الأخيرة على الأوضاع في منطقة الخليج في ضوء التطورات التي تشهدها.
- تردد الرئيس أوباما بين مهاجمة إيران أو التفاوض معها.
- تطرف « نتنياهو» وميله إلى مهاجمة إيران, وانتظار ضوء أخضر أميركي من أوباما الذي لا تسمح له ظروفه الانتخابية بمثل هذا الهجوم أو بتأييده رغم ما يظهره من درجات الدعم والتأييد لإسرائيل حرصاً على أصوات الناخبين اليهود.
وهكذا يمكن الاستنتاج بأن سياسة استعراض القوة ضد إيران تتحول بالتدريج إلى سياسة استعراض الضعف مع التأكيد على أن مثل هذا التحول لا يلغي إمكانية الهجوم على إيران من جانب أمريكا وإسرائيل معاً أو من جانب أحدهما ولكن الخبراء والمحللين السياسيين يُجمعون تقريباً على أن إيران قادرة على التصدي لهذا الهجوم وإحباطه وإلحاق ضربات مدمرة بأميركا وإسرائيل.