تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دوافع وخلفيات الفيتو الصيني

عن موقع : Voltairenet
ترجمة
الأربعاء 29-2-2012
ترجمة دلال ابراهيم

لم يكن الفيتو الذي استخدمته الصين في مجلس الأمن الدولي بدعة جاءت بتأثير من روسيا , وإنما تتويجاً لخبرة طويلة ومؤلمة . والدافع الرئيسي وراء ذلك هو الرغبة في الحفاظ على قواعد القانون الدولي .

وفي هذه المقالة يضع البروفيسور لي غينسي هذا القلق في سياقه التاريخي القريب (تغيير مدبر لأنظمة في شمال أفريقيا) وفي سياقه الماضي البعيد ( احتلال الصين من قبل الغرب وصعوبات العلاقات الصينية- الأميركية )‏

بعد اعتراض روسيا والصين على قرار مجلس الأمن واستخدام حق النقض الفيتو في الرابع من شهر شباط وافقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على قرار ضد سورية . وعلى الرغم من أن هذا القرار غير ملزم , إلا أنه سيزيد الضغوط على سورية ويشرع الباب أمام التدخل الخارجي في المستقبل .‏

وقد أدت التكوينات الطائفية والعوامل الجيوسياسية ولا سيما سياسة ( فرق تسد ) التي يقودها الغرب إلى ظهور التناقضات الشديدة داخل العالم العربي , ووفرت الأوضاع الداخلية المتأزمة في سورية ذريعة للغرب للتدخل في شؤونها .‏

وليست الأزمة السورية الراهنة هدفها حماية حقوق الإنسان كما يزعم الغرب . بل هدفهم هو إسقاط النظام الحالي وإستبداله بنظام موالي للغرب . حيث تعتبر سورية عائقاً أمام الإستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط بسبب علاقاتها الوثيقة مع إيران ولبنان , وكلاهما عدو للولايات المتحدة .‏

وفي هذا الصدد أبدت الجامعة العربية , وبهدف لعب دور لها دعمها للاستراتيجية الغربية في المنطقة . ولا شك أن تلك الاستراتيجية وبعد حلها للأزمة السورية بطريقة غير سلمية سوف تضع في مرمى أهدافها إيران .‏

ولا يعني الفيتو الصيني أن بكين هدفها فقط الوقوف إلى جانب الحكومة السورية وأنه لا يعنيها العنف الذي تشهده سورية , بل إنها لا تريد أن تسير سورية إلى نفس المصير الكارثي الذي أوصلوا إليه ليبيا , والذي أفضى إلى حرب أهلية عامة .‏

وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي , تشعر الصين بمسؤوليتها وواجبها في الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة , مصدر القانون ودليل السلوك الدولي , وبالتالي يتوجب عليها رفض أي قرار ينتهك هذا الميثاق وهذه المبادئ .‏

وفي حال أدركت الصين أن اتخاذ قرار يحمل في طياته تهديداً لسيادة دولة ويتنافى مع مبدأ العدالة , ولم تقدم وتحرك أي شيء , فإنها ترتكب خطأً جسيماً .‏

وكشفت ردود الفعل الغاضبة للدول الغربية على الفيتو الروسي الصيني هدفهم الحقيقي في محاولة السيطرة على الشرق الأوسط والتحكم بمنظمة الأمم المتحدة التي حرصوا على التستر خلفها في مطالبتهم ودعواتهم لحماية حقوق الإنسان في سورية .‏

وكان العالم قد شهد غزوات كثيرة على دول ذات سيادة وأدت إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين الأبرياء تحت مسمى التدخل الإنساني . وقد أظهر التدخل العسكري منذ نهاية الحرب الباردة أن الدول الغربية لم تكن تسعى في الواقع , وهي تلوح بشعار حماية حقوق الإنسان سوى إلى تحقيق مصالحها الإستراتيجية العالمية والإقليمية .‏

وبالتالي فقد جاءت النتائج في كل الدول التي شهدت حروب ضدها بعد هجمات 11 أيلول 2001 أو الدول الإسلامية التي شهدت ( ثورات ملونة ) في العام الماضي على نقيض حماية حقوق الإنسان , وأدت هذه الحروب وهذه الثورات إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والداخلية فيها .‏

وتدل التجربة أنه ومنذ الحرب الباردة تعمل الدول الغربية على التكاتف مع بعضها مهما كانت الخلافات القائمة بينها عندما تكون في حال نزاع مع دولة غير غربية . وحتى في عهد العولمة , كان ثمة خط فاصل واضح وصريح بين الغرب وبين بقية دول العالم .‏

ولأسباب تاريخية وعملية على حد سواء , شهد ميزان القوى بين الغرب والولايات المتحدة خصوصاً وبين العالم غير الغربي عدم تكافؤ . وكما ينتج عن السلطة المطلقة التي لا تخضع لرقابة أو قيود الفساد في داخل الدولة , فإن السلطة التي لا منافس لها لدى المجتمع الدولي تتحول إلى قوة امبريالية ومتعجرفة , وهذا يشكل تهديد للاستقرار في العالم أجمع .‏

وضمن هذا السياق , نجحت الولايات المتحدة , في أعقاب الحرب الباردة في إحكام سيطرتها على منظمة الأمم المتحدة بهدف إخضاع المجتمع الدولي , في وقت لم يكن في استطاعة الدول الصغيرة والمتوسطة من التعبير عن امتعاضها من هذا الوضع .‏

وتكشف ردود الفعل الأميركية الهستيرية على الفيتو الصيني عن عدم استيعابهم للتطورات الحاصلة في الصين . وفي وقت تبدو فيه سياسة المدفعية هي السائدة , يبدو النهج المتواضع والمنضبط للدبلوماسية من الأعراف البالية .‏

وفي حال كان باستطاعة الولايات المتحدة والصين التعايش معاً بشكل سلمي , سوف يسجل ذلك إنجازاً لا سابق له . ولكن تدل العلاقات الصينية – الأميركية أن مثل هذا التعاون لا يمكن تحقيقه عبر تفاهمات وتسويات أو بمجرد التمني . كما ولا ينبغي أن نأمل قيام أي علاقة الند للند بواسطة حسن النيات فقط . ولا ينبغي أن تكون المعركة دون قطع العلاقات مرتكزة على أساس الموقف الصيني تجاه الولايات المتحدة , لأنه فقط عندما نكون جاهزين لدفع ثمن هذه القطيعة نخوض حينها المعركة من دون أن يمزقونا .‏

والصين لن توقف تطورها أي كان الموقف في الخارج . وعبر دبلوماسيتها وحرصها على شعبها ستملك الصين القدرة على الدفاع عن أسس وقواعد الأمم المتحدة وكذلك السلام والعدل في العالم بالفعل وليس فقط بالأقوال .‏

وبصفتها عضواً في مجلس الأمن الدولي ينبغي على الصين أن تتحمل مسؤولية كبيرة في حفظ السلام العالمي . ومن أجل الحفاظ على الوحدة اضطرت الصين إلى استخدام حقها في النقض .‏

ومن ناحية أخرى وبصفتها عضواً في المجتمع الدولي , تدرك الصين أنه لا يمكن تحقيق مصالحها دون التعاون مع العالم الخارجي . ولكنها في المقابل ستكون يقظة تجاه تلك الدول الغربية التي ذهبت بعيداً جداً . وكونها ذاقت في الماضي مرارة غزو الدول الغربية لأراضيها , تتفهم الصين المعاناة التي تنتج عن هذا الغزو . ولذلك فإنها الآن , قد استيقظت لن تكرر نفس الأخطاء , نظراً لأن الشعب الصيني يعتقد أن ما لا تقبله لنفسك ينبغي ألا تقبله لغيرك .‏

 بقلم : البروفيسور الصيني لي غينسي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية