منذ بضعة أسابيع كان قادة إسرائيل يدعون أن الوقت بات محسوباً وثميناً جداً في ظل سعي إيران الحثيث و السريع جداً لدفن منشآتها النووية و حجبها تحسباً من أي هجوم عسكري إسرائيلي محتمل عليها. إيران ردت على ذلك بلهجة تحد شديدة: «هيا! تقدموا: إننا لسنا بخائفين.. وسوف ترون كيفية ردودنا التي تضاهي في قسوتها عشرة أضعاف قسوة ضرباتكم».. الأميركيون و الأوروبيون معاً سارعوا إلى حض الجانبين على ضبط النفس و التحلي بالصبر، ولكن على غرار إسرائيل فإنهم على قناعة أن إيران تجتهد في الحصول على إمكانيات تقنية عالية تفيد في صنع سلاح ذري، وهم بذلك على أتم الاستعداد لتحرير إجراءات عقابية متسلسلة لا سابق لها ضد طهران، وتنظيم مقاطعة شبه تامة لاستيراد الهيدروكربور بما يمثله من ثروة و مصدر فريد و وحيد في إيران.. إلى ذلك تأمل أميركا والاتحاد الأوروبي أن تكون هذه الإجراءات نافذة المفعول..
قبل نحو ثلاثة أسابيع وأمام طلاب قسم العلوم السياسية في جامعة باريس قال آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا بإيجاز أن الوضع القائم بين إيران وإسرائيل لا يوحي بالطمأنينة على الإطلاق، ولعل الخيار العسكري الإسرائيلي ضد المنشآت الإيرانية لابد و أن يخلف نتائج كارثية غير متوقعة، لذلك يتحتم علينا نحن الأوروبيين النأي عن هكذا خيار مدمر ليس لمنطقة الشرق الأوسط وحسب بل إن شظاياه سوف تتطاير في جهات الأرض الأربع..
الأجندة الإسرائيلية ليست تقنية و حسب بل هي سياسية أيضاً، فحكومة إسرائيل تأخذ بالاعتبار، حيال خيارها العسكري، معارضة باراك أوباما أقله في الوقت الحاضر.. وقع خيار «إسرائيل» على فصل الربيع الجاري لتوجيه ضربتها الكبرى بما يمثل بالنسبة لها من زمن مناسب و خصب لها.. وقبل حدوث الانتخابات الأميركية في 16 أكتوبر 2012، وفي ظل رئاسة أوباما تحديداً المثقلة بالضغوط العنيفة من قبل الجمهوريين المؤيدين لإسرائيل و سياساتها في المنطقة ومنها سياستها الهجومية على إيران وخطتها النارية لقصف منشآتها النووية، ها هو ميت رومني الناخب و المرشح عن الحزب الجمهوري، للرئاسة الأميركية المقبلة يقدم ولاءه التام لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و سياسة حكومته خلال مناظراته التنافسية مع الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي إذ يقول بكثير من السخرية و التهكم «إذا أردتم أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً، فلنسرع لانتخاب أوباما. يا لها من سياسة دنيئة يقرضها رومني لحكومة إسرائيل» ومن الأفضل لنا ضرب إيران حاليا تحت الضغوط الشديدة التي يتعرض لها أوباما من كافة معارضيه المؤيدين لإسرائيل لا سيما وأن هذا الأخير عاجلاً أم آجلاً، لم يفلت من قبضة نتنياهو المحكمة..
رئيس بعثة دبلوماسية ينتمي لبلد أوروبي مهم كان صرح مؤخراً لصحيفة «لوموند» الفرنسية بالقول «إن الأسابيع المقبلة سوف تكون حاسمة بلا شك ومع الآخرين نناشد المجتمع الدولي. بإطالة الفترة الزمنية المحددة قبل إصدار عقوبات جائرة بحق الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خصوصاً في هذا الوقت العصيب حيث الاقتصاد في العالم برمته و خاصة في الشرق الأوسط آخذ في الترنح و التدهور على خلفية الأحداث الإقليمية و العالمية الجارية و التي سوف يفاقم حدتها العقوبات هذه..
وفي المقابل يرى أحد أبرز الخبراء الفرنسيين في القضايا النووية برونو يترتر، من أكاديمية البحث الاستراتيجي أن «العقوبات الموجهة ضد إيران سوف تأتي بنتائج جيدة باتجاه إبطاء البرنامج النووي، وتعقيد عملية استيراد المعدات و التقنيات اللازمة لصنع قنبلة ذرية..»
ويتابع مستطرداً «لا بد و أن تحمل العقوبات قادة إيران على إعادة النظر بحساباتهم حيث ستكون التكلفة السياسية و الاقتصادية لاستراتيجية حكومتهم النووية باهظة إلى حد دفعهم للخيار بين «المحافظة على النظام أو إنقاذ المشروع النووي!!» لا سيما و أن الأعداء المتربصين بالجمهورية الإسلامية الإيرانية هم كثر، و على رأسهم بعض الدول العربية وتركيا.. هؤلاء يسعون معاً لعزل هذه الجمهورية الشيعية ووقف مد نفوذها و تأثيرها المضاعف بفعل ما سوف تمتلك من سلاح ذري، على حد زعمهم..
من على منبر جامعة طهران قدم آية الله الخميني مرشد الثورة الإيرانية موعظته الدينية مؤخراً، وفي الختام تطرق إلى الوضع الداخلي الإيراني الذي تحاول إسرائيل زعزعة استقراره عن طريق المعارضين للنظام في البلاد ثم ما لبث أن أطلق تهديداً لإسرائيل مفاده: «أنه ينبغي لنا أن نبيد «إسرائيل» بما يمثل نظامها الصهيوني سرطاناً حقيقياً في الشرق الأوسط والدول المجاورة لها على وجه الخصوص وإن ما نصبو إليه سوف يتحقق..»
وإذا كان «التاريخ يؤكد أن العقوبات ضد إيران تمثل حلولاً للأزمة النووية الإيرانية» فإن آخرين أمثال روبرت باب الأميركي الأستاذ في جامعة شيكاغو يرى أن تكديس سنين من العقوبات الدولية بحق إيران وتبدو كبديل عن الحرب، ليست في الغالب سوى خطوة تمهيدية، في حال فشلها، باتجاه إعلان حرب ضروس، ذلك لأن أنصار الحرب سوف يتخذونها ذريعة لتحقيق ذلك على أرض الواقع»
ولإنجاح ذلك يجب أن توفر العقوبات إمكانية للتفاوض. المسألة برمتها تكمن في إدراك وتمييز ما يمكن أن نصف ذلك بالفشل أو النجاح، و بعبارة أخرى ما هي «الخطوط الحمراء» لدى البعض و البعض الآخر؟ الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن توافق على التنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم لأهداف سلمية و هي لا تنفك تقر بالمضي بها، لكون ذلك يمثل بالنسبة لها مسألة سياسية قائمة. الأمم المتحدة ترى من جانبها أن إيران تخرق التزاماتها الدولية: فهي تمنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقق من بعض عناصر برنامجها النووي لكونها على يقين شبه تام أن إيران بصدد صنع سلاح ذري حتى و إن لم تتخذ في ذلك قراراً حتى هذه اللحظة.
ولكن «إسرائيل» ترى أن إيران قد تخطت « الخطوط الحمراء»على نحو تقريبي لمجرد سعيها باتجاه تطوير برنامجها النووي، وفي المقابل تجد أميركا أن هذا الأمر لم يتحقق إلا في حال انطلقت إيران بالخطوة الأولى لصنع السلاح الذري، و عليه لا يمكن الرهان على توقعات لم تترجم على أرض الواقع بعد...
بقلم آلان فرانشوف