تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دمـــــاغ الطفـــــل ينمــــو بالحــــب

مجتمع
الأربعاء 29-2-2012
إعداد: أنيسة أبو غليون

لاحظ عالم النفس ستينلي غريتسبان في أبحاثه على الرضع الذين يعانون من إهمال الأبوين لسبب أو لآخر أن هؤلاء الرضع يبدؤون منذ الشهور الأولى بالنظر إلى وجوه الأشخاص الذين يعتنون بهم

ويبدؤون بالإنصات إليهم ومحاولة الابتسام والتواصل معهم، ولكن عندما لا يجدون تجاوباً أو تفاعلاً من هؤلاء الأشخاص فإنهم وخلال أسابيع قليلة يفقدون الاهتمام بمحيطهم وتقل حركتهم حتى أن بعضهم يفقد القدرة على تحريك رؤوسهم واستنتج ذلك العالم أن تطور الطفل الجسدي والحسي والعاطفي يعتمد على الأسابيع والشهور الأولى من حياته فإذا وجد الطفل في هذه المرحلة المبكرة من يهتم به ويتفاعل معه عاطفياً سيزداد اهتمامه بالوسط المحيط به وهذا الاهتمام سينمي قدراته الحركية والسمعية والبصرية والعاطفية وحتى امكانياته الفعلية.‏

ما علاقة الحب بالنمو؟!‏

عندما يسمع الطفل الباكي صوت أمه يهدأ لأن صوتها يشعره بالراحة والأمان.. وعندما تحمله بين ذراعيها يشعر بسعادة غامرة وتزداد سعادته عندما تضمه إلى صدرها الدافئ وتنظر إلى وجهه بعينين يملؤهما الحب والاهتمام وعندما يبدأ الطفل بالتحديق في وجه أمه ويجيل النظر في ملامحها منتقلاً من عينيها الواسعتين إلى ابتسامتها المشرقة، وفي أثناء ذلك يصغي إلى صوتها وهي تكلمه وتناغيه ويرد على ابتسامتها بابتسامة مقابلة وقد يرفع يده ويتلمس عنقها ووجهها إن هذا النظر والاصغاء والحركة يفعّل وينمي في قشرة دماغ الطفل الكثير من الدارات العصبية.. إن احاطة الطفل بجو من الحب والعطف والحنان يغري حواسه الناشئة بالانخراط في العالم المحيط به وهكذا تنمو هذه الحواس وتتطور.. يجب أن تدرك كل أم أن الأوقات التي يقضيها رضيعها بين ذراعيها وهي تناغيه وتداعبه وتشعره بالأمن والراحة هي الأوقات التي ينمو فيها دماغه وتتطور حواسه وامكانياته.‏

دور التفاعل العاطفي‏

لقد وجد الباحثون أن الرضع الذين يتركون في المياتم دون وجود أمهات أو آباء يقدمون لهم العطف والحب والحنان يتأخر نموهم الجسدي والعقلي والعاطفي ويصابون بالأمراض أكثر من أقرانهم.. ومع أن هؤلاء الأطفال تعلق فوق أسرتهم الكثير من الألعاب المثيرة التي تصدر أصواتاً وألواناًمختلفة إلا أنهم لا يهتمون بذلك لأن ما يريده الطفل هو التفاعل العاطفي مع شخص يحبه ويقدم له العطف والحنان ...‏

إن أكثر الأمور إثارة فيما يتعلق بحاجة الطفل إلى التفاعل العاطفي منذ أسابيعه وشهوره الأولى هو أن الدراسات الحديثة تشير إلى بطلان الاعتقاد القديم بأن الارتكاسات المعرفية والعاطفية تكون منفصلة بعضها عن بعض عند الطفل.. فالعلماء يعتقدون اليوم أن الطفل عندما يتلقى المعلومات بواسطة حواسه فإنه يتفاعل معها عاطفياً.. كأن يشعر بالفرح عند سماع صوت أمه أو بالانزعاج عند سماع صوت غريب ومعرفياً في نفس الوقت ولعل التفاعل المعرفي يحتاج إلى شيء من التوضيح.. وعندما نتحدث عن القدرات المعرفية عند الانسان فإننا نقصد تلك القدرات المتعلقة بالذكاء كالقدرة على التحليل والاستنتاج وربط الأسباب بالنتائج ..‏

لقد كان العلماء يظنون سابقاً أن هذه القدرات تبدأ بالتشكل والنمو عند الطفل بعد شهور من ولادته عندما يصبح قادراً على استخدام يديه والتقاط الأشياء لكنهم يعتقدون اليوم أنها تبدأ بالتشكل والنمو قبل ذلك بكثير.‏

بين السبب والنتيجة‏

كأن يعتقد الطفل أنه عندما يصبح قادراً على الامساك بحبل مربوط بجرس بحيث يرن الجرس عندما يشد الحبل يبدأ بربط السبب (شد الحبل) بالنتيجة (صوت الجرس) وتبدأ دارات ربط الأسباب بالنتائج بالتشكل في دماغه لكن الاعتقاد السائد اليوم أن هذه الدارات تتشكل في وقت أبكر منذ أن يصبح الطفل قادراً على الرؤية والابتسام وهكذا تتشكل في دماغه دارات ربط الأسباب بالنتائج التي ستساعده في المستقبل على التفكير السليم.. وهذا يفسر ما تشير إليه بعض الدراسات من أن أبناء الأمهات اللواتي يصبن بنوبات متكررة من الاكتئاب تتأخر قدراتهم المعرفية عن أقرانهم فالأم المكتئبة لا تعرف الابتسام ومن ثم لن تستطيع أن تحقق ذلك التواصل والتفاعل مع طفلها.. وإن مهارات الذكاء العاطفي تبدأ بالتشكل عند الطفل من هذه المرحلة بفضل تفاعل الأم وتجاوبها معه.‏

فالتفاؤل مثلاً تبدأ جذوره بالتكون في نفس الطفل عندما يدرك أن العطاء في هذه الحياة يقابل بالعطاء فهو عندما يبتسم لأمه وترد عليه بابتسامة مماثلة تصله الرسائل التالية: عندما تعطي الحياة تعطيك والحياة حلوة وسيحمل هذا الشعور معه طوال حياته.‏

ارتباط الأسرة.. يثمر بالايجابيات‏

إن الطفل يحتاج إلى كثير من الحب والحنان والاهتمام وبما أن هذه المشاعر لا يمكن تأمينها في بيت يملؤه الشقاق والخصام نستطيع أن ندرك أهمية تحقيق علاقة زوجية قائمة على المودة والرحمة ليس من أجل سعادة الزوجين فقط وإنما لتأمين جو عاطفي يخرج أطفالاً أسوياء.‏

إن معظم الآباء والأمهات لايعيرون انتباهاً إذ إنهم في غمرة أشغالهم لا يقضون أوقاتاً كافية في ملاعبة أطفالهم والتفاعل معهم فيحاولون التعويض عن ذلك بحشد ما يستطيعون من الألعاب والدمى في غرفة الطفل ويبذلون جهدهم في اختيار الألعاب التي تنمي ذكاء الطفل وشخصيته.. واللعب مباشرة مع الطفل ينمي شخصية الطفل وقدراته الاجتماعية والعاطفية والمعرفية لذلك ينصح الآباء والأمهات أن يخصصوا ساعة يومية لأطفالهم للعب معهم ويتحدثوا مع أطفالهم بأنواع التفاعل العاطفي لأن ساعة من هذا التفاعل الحقيقي مع الطفل أفضل بكثير من ترك الطفل وحده ساعات وساعات أمام لعبة جامدة لتطوير الشخصية والذكاء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية