تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مبدع وامرأة... جياكوميتي وآنيت آرم

ثقافة
الأربعاء 29-2-2012
أديب مخزوم

على الرغم من ان الفنان العالمي الشهيرالبرتو جياكوميتي (1901- 1966) أعطى اشكاله الانسانية قامات نحيلة، بحيث تبدو كما لوانها ضغطت من كل جانب، فإنه كان يفضل النحت عن الموديل الحي، وفي عام 1942 اصبحت « آنيت آرم « موديله المفضل، بعد ان كان يعتمد في اختباراته الفراغية والخطية، المشغولة بمواد تقنية متنوعة على أكثر من موديل انثوي.

وبالرغم ايضا من أن شهرته الواسعة، تكمن في أنه كان مجددا بالدرجة الاولى في مجال النحت الفراغي، إلا انه ترك مئات اللوحات والرسومات والتصاميم الاولية،من ضمنها مجموعة واسعة من الدراسات السريعة، التي كان يرتكز في صياغاتها، على التقاط الحركات الجسدية الكروكية السريعة والمتنوعة للموديل آنيت،التي بدأت الرسم كهاوية في محترفه، قبل ان تتكرس كموديل لاعماله في النحت والرسم معا.‏

وبعد ان توصل الى اسلوبه الفني الخاص، أخذ ينحاز وبقوة، نحو مظاهر تجسيد حالات من القامات الانسانية، الباحثة عن جماليات التبسيط و الايجاز و الاختصار، في صياغة العناصر و الاشكال متبعاً الحركات الشاقولية في الفراغ، في القسم الذي يوحي بجذع الجسد، في الوقت الذي كان يختصرفيه اطراف الشكل الانساني ايضا، بخطوط انسيابية اكثر طواعية وحركية وديناميكية،وبذلك كان سباقاً في طرح رؤى تشكيلية، منفلتة من تأثيرات دراسته في اكاديمية « بوزديل لاغراند شوميير» في باريس.‏

ففي الوقت الذي كان فيه معظم فناني عصره يتجهون لإضفاء الامتلاء على الاشكال الانسانية المرسومة والمنحوتة،كان هو يركز لايجاد الحالة الاسلوبية الخاصة، في مسارها الاختزالي، بتأثيرات ثقافية حديثة و معاصرة، استحوذت فيما بعد على اعجاب واهتمام العديد من الفنانين المعاصرين، الذين دهشوا بطريقته في صياغة اجساد انثوية عارية تأخذ بالتطاول والامتداد كأشكال نحتية، مجتمعة ومنفصلة ويحيط بها الغموض. هكذا كا ن يحاول التعبير في احيان كثيرة، بأقل ما يمكن من الحركات الخطوطية الفراغية الرفيعة، وهذه الطريقة تركت تأتيرات كبيرة، على العديد من النحاتين المعاصرين في الغرب والشرق وفي الشمال والجنوب. حتى ان العديد من فناني جيله اقتبسوا منه اسرار النحت والرسم الحديث عن الموديل، ومن ثم انطلقوا مثله، في رحاب الاختصار والاختزال والتبسيط، حتى ان « آنيت « كانت تجلس كموديل في احيان كثيرة أمام جياكوميتي، بحضور تلاميذه وزواره ليعلمهم كيفية الاستفادة من الموديل الحي، في خطوات الانطلاق نحو التبسيط المتوافق مع معطيات ثقافة وفنون العصر.‏

ولقد كان يركز لاظهار جوهر الحركة، التي تخرج الاجسام المجسدة من جماد المادة، الى التعابير الحركية الرشيقة و المرتبطة بالحياة، فقد كان يقطف زمان الحركة, خارج حيز الكتلة. و بمعنى آخر كان يجرد الحركة و يفصلها عن الشكل الواقعي، باتجاه ذاكرة بنت الاختبارات و التحولات في المنحى التعبيري، الذي يستلهم اشكال الرسوم والمنحوتات البدائية، ليستشف الينابيع البكر للنحت الحديث، على اساس ان الحركة الاختزالية المتواجدة في الفنون البدائية،تدخل في جوهر الصياغة العامة للمنحوتة الحديثة والمعاصرة.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية