تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الكون نص سيميائي

كتب
الأربعاء 29-2-2012
باسم سليمان

يعرّف يوري لوتمان مفهوم سيمياء الكون بأنّه: فضاء سيميوطيقي ضروري لوجود ولاشتغال اللغات المختلفة, وهو ليس بمثابة جماع للغات الحية. هذا التعريف يجد جوهره بمفهوم الكون الحيوي الذي نظر له عالم الفيزياء فيرناديسكي

الذي يعتبر: إنّ الذات البشرية مثل الكائنات الحية عامة, لا تعد موضوعا في حد ذاتها, مستقلا عن الكون؛ لذاك لا يعتبر الكون فضاء فيزيائيا يوجد خارج الذوات التي تدركه ولكنه الكون الذي تسبح ضمنه هذه الكائنات وبالتالي يمكن خارج حدوده أن لا تحمل الحياة ولا تشكلاتها أي معنى.‏

سيمياء الكون سابقة كفضاء على اللغات وعلى كل فعل لإنتاج الخطاب, غير إنها تعد ضرورية لوجود هذه اللغات واشتغالها وهذا يعني بشكل معاكس أسبقية الفضاء السيميوطيقي على السيميوزيس أي الفعل؛ وفق مبدأ ديكارت الثالث في كتابه المنهج حيث نبدأ بعزل عنصر ومن ثم نرى القدرة على تعميمه هذه الأسبقية لا تعني بحال من الأحوال إلا أنّ الاشتغال السيميوطيقي, ماهو إلا حوار يقوم بين باث ومرسل إليه, بشكل دوري أي بين وعي الكون كمحيط دلالي وإنشاء الدوال, يجب أن يكون في هذه الحوارية حد أدنى من الثبات وإلا فإن الحوار مقطوع وعليه يجب تجاوز العقبات التي تفرضها الإثنانية واللاتناظر بين مكوناته حتى نكون قادرين على فهم الكون كسيمياء نعيش في داخلها وننتجها في الوقت نفسه.‏

سيمياء الكون تقوم على مركز وهامش, فالمركز ينتج أنساقاً يحاول من خلالها أن يصبغ الكون بمعطياته ومن صفات هذه الأنساق الثبات والدائرية أي أن الطبقات الطبوغرافية للحياة, تعيد إنتاج نفس الصفات وهذا مرده إلا أن التوصيف عامل دفاعي يقوم النسق المركزي به بالمحافظة على ذاته لكن الهامش بدوره ليس منكفئا بل أنّ فترة تلقيه تجعله يستوعب الأنساق السيميوطقية عبر الترجمة ومن ثم الحوار ومن ثم هضمها نهائيا وتشكيلها عبر بينة من ضمن محيطه ومن ثم بثها من جديد وبل التوسع بها وهذا ما حدث في إيطاليا التي تدفقت إليها الغزوات العسكرية والحضارية والتأثيرات الثقافية ولكن بعد فترة تحولت إيطاليا لمصدر لكل الثقافات التي تبنتها أوروبا فيما بعد مثلها مثل فرنسا قبل عصر الأنوار وروسيا بعد دخول المسيحية عليها والثقافات الأوروبية في القرنين الثامن والتاسع عشر.‏

الإثنانية تفرض الحدود, هذه الحدود تجعل لكل شخص ومجتمع تصوره الخاص عن فضائه, بحيث يصبح القول, فضائياً, مقابل فضائهم أي الآخرين لكن ذلك يعني أن هذه الحدود بين المركز والهامش ممكن اختراقها عبر الحبكة والحبكة تعني هنا حالة مركبية أي زمنية, فلننظر لحالة الميتيولوجيا وكيف أن الإنسان يصنع فكره من كونه المحيط حيث يفعل به الكون فيتمثله, ليفعل به, فهل من الممكن لشخص يعيش خارج الجاذبية أن يتكلم عن فوق وتحت والتي بدورها ارتبطت بقيم إنسانية من باب الحسن والقبيح؛ إن العود الدوري لمظاهر الحياة جعل من النسق السيميوطيقي لأية كون سيمياء يتشابه, فالبداية والنهاية ليست ذات أهمية, فموت الإله وانبعاثه متكرر بشكل كبير وهذه النسق ينتج ثوابت دينية واجتماعية وإن كانت الرؤية الأخروية تطورا ما, بحيث يصل الإنسان لحالة من الراحة الدائمة إلا إن ذلك لا يغير بالأمر الكثير, فجاء الهامش ببنياته المقطعة بأن اعتنى بالحوادث والأشياء الاستثنائية, فأنتج ما يمكن تسميته بالزمن الخطي بداية وسط خاتمة لا عود دوري للأشياء ومن خلال حوار هذين النسقين تتبدى الحضارة بأشكالها العديدة, فإن غاب شيء لكنه لا يختفي يتم استيعابه وهكذا نرى أن المدن والدول هي تجليات لأنساق وفكر سابقة ومحايثة ومتصورة لمن يقومون بها.‏

إنّ سيمياء الكون تمثل نموذجا يحدد إنتاج وتبادل المعرفة التي تأخذ شكل خطابات أدبية وجمالية وسياسية وغيرها. تبادل المعرفة يقوم على خرق الحدود بين الفضاءات والمجالات السيميوطيقية, عبر الحوار تتلاقى فيه وتتعارض عناصر معرفية تواصلية ويكاد هذا الكتاب نتيجة لدراسات يوري لوتمان بتوسيع حقل السيميائيات عبر الاشتغال بمواضيع سيميوطيقية تدمج الاجتماعي وذلك عبر توسيع مفهوم النص, فالنص ليس قطبية توصيل بين باث ومتلقِ ولكنه يصبح قادراً على توليد مستويات نصوصية تنتج عنها مستويات ميتا نصوصية وذلك لأن الضامن لاستقرار نسق ثقافي يتم عبر تعدده وتنوعه أي ما يمكن تسميته بحوار الحضارات, فالنص يتضمن عناصر لا تنحدر من اللغة وهو يتشكل من أكثر من لغة.‏

تضمن الكتاب عدة مواضيع تعتبر تطبيقا لنظرة يوري لوتمان منها: الفضاء الجغرافي في النصوص الروسية إثناء العصور والوسطى وسفر إبليس في الكوميديا الإلهية لدانتي.‏

‏

سيمياء الكون ل يوري لوتمان ترجمة عبد المجيد نوسي صادر عن المركز الثقافي العربي الدار البيضاء لعام 2011‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية