تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مجموعة قصصية ثانية للقاص مفيد أحمد عيسى..!

كتب
الأربعاء 29-2-2012
رمضان إبراهيم

صدرت عن وزارة الثقافة بدمشق مجموعة قصصية للقاص مفيد أحمد عيسى بعنوان « البطل في وقفته الأخيرة « هي المجموعة الثانية للقاص المذكور بعد مجموعته الأولى ثلاثة نداءات وتصبح نجمة التي صدرت العام الماضي عن وزارة الثقافة أيضاً.

المجموعة الجديدة تختلف في الشكل والمضمون عن سابقتها من حيث الغنى الفكري والاشتغال على معالجة قضايا إنسانية موغلة في النفس البشرية المعذبة والتائهة في هذه الحياة المليئة بالمطبات والمنحدرات والنتوءات بعد أن باتت الأخلاق والقيم عملة نادرة وبعد أن تبدلت بعض المفاهيم وانحدرت مع ما انحدر من رموز وفضائل. توزعت المجموعة على عشر قصص سأحاول أن ألج بين طياتها علّني أوفق بالوصول إلى تذوّق بعض مما أراد القاص أن يوصله إلينا من خلال مجموعته الجديدة.‏

إن من يتابع سيرورة الخط البياني لأعمال القاص مفيد عيسى سواء في الصحافة المحلية أم من خلال ما كتب في القصّة يجد أن الكاتب اختط لنفسه منهجاً رائداً في الوسط الأدبي السوري، فالكاتب يكتب القصة بمداد الفكر والفلسفة أحياناً ويكاد ينسى روحه فتسرقه الفلسفة أحياناً بمقدماتها واستدلالاتها المنطقية وعلاقاتها الصورية والكلية وهكذا نجد أن القصة لدى مفيد عيسى بعيدة قليلاً عن القصة بمفهومها المتعارف عليه لدى جمهرة القاصين والكتاب، وهذا ما أكسب قصصه ميزة إضافية.‏

وبما أن الكاتب ينحو منحى فكرياً في قصصه فمن الطبيعي أن تشيع لديه (الحالة) وتتسيّد جوهر العمل القصصي ساحبة البساط من تحت أقدام (الحدث) الذي يأتي في الأغلب بسيطاً وعرضاً ومسخراً أصلاً لخدمة الحالتين الإنسانية والوجدانية التي يريد الكاتب أن يشتغل عليها.‏

ففي قصته الثانية التي أخذ عنوانها عنواناً للمجموعة القصصية (البطل في وقفته الأخيرة) والتي يعالج فيها الكاتب قصّة تمثال لأحد الأبطال الذين كانت الساحات مسرحاً لهم يتدرج الكاتب عبر تسلسل زمني لما كانت عليه نظرة الناس البسطاء العابرين للتمثال وما أصبحت عليه:» آخرون دون اكتراث ألقوا نظرة عابرة وسريعة، كانت رؤوسهم مترعة بهموم الحياة وأجسادهم منهمكة لذلك ليس لديهم متسع للتأمل وتلمّس جمال التمثال والذين تساءلوا عن الفائدة من كل ذلك «. فالبطل الذي يمتشق سيفه والذي كانت ذات يوم تخاف منه وترهبه طلائع الأعداء هاهو اليوم ينمو عليه الطحلب وتنتشر خلفه رائحة النشادر الناتجة عن حمض البول وتكثر الأوساخ في محيطه بعد أن أصبحت الحروب لا تحتاج إلى هكذا نماذج لأبطالها:‏

«هو واقف تلك الوقفة المتوترة على شفا التحرك،تومض فلاشات الكاميرات عليه، فلا يرف له جفن، ما يزعجه هو رائحة النشادر التي تنبعث من خلفه وتراكم الأوساخ « ص26.‏

في قصتي (أغنية أولى.. أغنية أخيرة) و (دوائر الحياة اليومية) يسلط الكاتب الضوء على حالة من حالات الشقاء والاستلاب الإنساني, وفي القصة الأولى يتحدث عن الكورس الذي يقضي حياته واقفاً خلف المطرب الذي يسرق الأضواء والآهات في حين قد يكون خلفه من يفوق صوته جمالاً وعذوبة لكن قدره ألا يظهر إلاّ خلف المطرب يردد كالببغاء بعد أن حفظ قوالب المطربين كما يحفظ وجوههم: « سئم كل شيء، أقفية المطربين التي حفظها وأصبح قادراً على تمييزها كوجوههم، جمهور هذا الزمان، والأغاني بكلماتها التافهة « وكأن لسان حاله يصرخ كما كانت تردد أم كلثوم « أنا فاض فيّ ومليت».أما قصة دوائر الحياة اليومية ففيها تصوير دقيق لضياع الإنسان في مجتمع لم تعد القيم والعادات والأخلاق من أهم ميزاته فبات مشرداً على أرصفة باتت كأنها فارغة ملّها العابرون « لا بد أن يخرج من هذا الضيق، نهض بتكاسل، نظر من النافذة بشكل موارب إلى أبعد نقطة يطالها بصره من الزقاق،لا أحد في الخارج، أين كل هؤلاء الناس الذين يراهم كل يوم؟» ص 54. أيّ عذاب يعيشه هذا الإنسان بعد أن تحولت شوارع الحياة الرحبة إلى أزقة غاب عنها البشر؟!‏

في قصة (مونو دراما النائم) يتابع الكاتب رصد حالة من حالات الشقاء الإنساني ولكن ما لفت انتباهي هو تعرّض الكاتب لرصد بعض الممارسات الخاطئة التي تؤدي بالنهاية إلى نهايات سيئة يدفع ثمنها الجميع « حاولت العمل بالمرفأ، لكن لكي أحصل على بطاقة عامل إنتاج، عليّ أن أدفع مئة ألف ليرة، من أين؟ « ص 71 ويضيف على لسان بطل القصة في نفس الصفحة « أوحى لي بهذه المسرحية جاري الجنرال، لقد استولى على تلة كاملة من تلال بلدتنا كانت فيما مضى حرثاً لأهالي القرية اكتشفنا فجأة أنها أملاك دولة ثم أصبحت له..!!»‏

أما قصة (نصائح الكلب الهرم) فتعبر عن حالة إنسانية قد نعيشها في مجتمعنا أو في مكان عملنا كي نسلم بعد أن وصل هذا المجتمع إلى ما وصل إليه من تردٍ وانحدار لدى الأكثرية « لا تقاومهم.. اصمتْ..لا تطاردهم بسياراتهم السريعة.. عليك أن تتحلى بالطاعة العمياء لرب البيت أو أن تهرب لتعتاد حياة التشرد !! ص84‏

طبعاً لن تستطيع هذه العجالة أن تحيط بالمجموعة من كل جوانبها، ويبقى أن أشير إلى أن لغة الكاتب كانت موزعة بين القصصي والفلسفي والشعري والعامي وهذه ميزة استطاع الكاتب من خلالها أن يخلق توليفة بين القصصي والفلسفي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية