تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شعر ونثر

كتب
الأربعاء 29-2-2012
أنور محمد

الفعل الثقافي العربي فعل قديم، ارتبطت حياة العربي به، بإنتاجه. فكان الشعر صدى لانفعالاته مثلما كان صوت ضميره، صوت الحق الذي وعى ذاته التي صارت تبحث عن هويتها،

خاصة في (سوق عكاظ) الذي صار يعطيها صك اعتراف لكونها صاحبة مشروع شعري، مشروع حضاري تدعمه ثقافة نلمس صورها في هذا الشعر وهي تنبض بالكرم، والجود، والنخوة، والمروءة، والمغامرة، والبحث، والتضحية، والإيثار، والشجاعة، والنبالة، والفروسية، التي هي كصفات ضرورة لازمة لإنتاج أي فعل ثقافي.‏

لو ذهبنا بعيداً عن الشعر وحاولنا أن نتعرف إلى ذخائرنا من النثر الذي شكل فيما بعد بذور العلوم والمعارف الإنسانية في الفلسفة والرياضيات والطب والهندسة والكيمياء وغيرها، ألا نجد أن هذه الذخائر من النثر؟ فالكتب لا تزال تشكل مصدر اعتزاز لنا - لأنها تراث الأمة العربية، الذي فيه عقلها، فيه فكرها، وفيه شخصيتها.‏

بل إن كل (ثمارنا) الفكرية والمعرفية لا تزال مدفونة فيها، فيما أوروبا استطاعت أن تستثمرها، بل إن أوروبا قامت بنسخ وترجمة هذه الكتب، وخاصة في القرن الثاني عشر، حيث عرفت فيها (مدرسة مترجمي طليطلة).‏

وكذلك المترجم «جيراردوا الكريموني» الذي ترجم كتاب (المجسطي)، وكتب الرازي، وابن سينا، خاصة كتابه (القانون). وكتاب أبي القاسم الزهراوي (مصنف في التشريح)، وكتابي الكندي 1- العقل 2- الماهيات الخمس. وكتاب الفارابي (إحصاء العلوم). حتى إن العقل الأوروبي المنفتح حينها على العلم والمعرفة لم يوفر ترجمة الكتب العربية المتعلقة بعلم الفراسة والتنجيم. فلقد ترجم «يوحنا الإسباني» مقالة في الطلسمات لثابت بن قرة التي ولدت تأثيراً كبيراً على علم العرافة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.‏

كما ترجم كتاب ابن الهيثم (المناظر لذوي الأبصار والبصائر)، الذي يقدم فيه ابن الهيثم كشفاً وفتحاً معرفياً، إذ سلم فيه أن الصورة تتشكل في جسم العين البلوري، فلو كان في الشبكة لظهرت مقلوبة، على غرار ما تبين له في تجاربه مستعيناً بالبيت المظلم. كما اكتشف دوام الصورة في شبكية العين، ما دفعه إلى الاعتقاد بالطبيعة المادية للضوء. وبذلك كان يعارض رأي أرسطو طاليس، كما أثبت أيضاً في حينها ابن الهيثم أن ضوء القمر مصدره الشمس. وحلل تركيب العين وشرح الرؤية، وتناول قوانين الانعكاس أيضاً، ثم ترجم كتاب الفرغاني «أصول علم النجوم» الذي استفاد منه (كولومبوس) في رحلته التي اكتشف فيها أميركا، إذ قال عن ذلك: لقد رصدت باهتمام لدى إبحاري من لشبونة نحو جنوب غينيا، المسار الذي يسلكه الربابنة والبحارة، وقست علو الشمس بالمزولة الربعية وأدوات أخرى، باتجاهات مختلفة مطابقاً لمعطيات الفرغاني، أي إن كل درجة يقابلها 2/3 - 56 من الأميال.‏

نحن أصحاب المشروع النهضوي التحرري الفكري العلمي الثقافي!! ماذا فعلنا، ماذا نفعل الآن؟!.. هم ترجموا لنا، وهذه الأسماء والعناوين التي أوردتها ليست إلا غيضاً من فيض معرفي وفكري تم نقله إلى العقل الأوروبي وخاصة في القرن الثاني عشر، ومن تراثنا. ماذا ترجمنا بالمقابل، ونحن نسعى إلى تأسيس مشروعنا النهضوي التحرري الثقافي؟!‏

لقد ازدرينا تراثنا - وهللنا، بل زرعنا ألغاماً - كمن يعذب نفسه، لتنفجر، تفجر مشروعنا الثقافي، أنا لا أعرف لماذا نلبس السواد حزناً على موتانا، فيما نلف أجسادهم بالبياض حين نسربلهم إلى القبر! أيهما ترى لون الموت، وأيهما لون الحياة؟ وبأي اللونين نلف جسد المشروع الثقافي النهضوي العربي؟!..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية