|
داخل السرب..الكل يدعو.. فمن ندعو?! هل كان النفط نقمة...?! اقتصاديات وقد سمى المفكر السوري الكبير (صادق جلال العظم) سورية في تلك الفترة ب (دولة نفطية بالوكالة). وحقيقة أن خطوطاً مخيفة بدأت ترتسم منذ تلك الحقبة.. وأذكر أنني كتبت مقالاً حذرت فيه من بناء اقتصاد في سورية يتحمل أن تكون الزراعة فيه خاسرة, وأن تتراجع الصناعة الوطنية الى مستوى الأداء الأجوف.. بنى ولا محتوى.. لا أريد أن أروي التاريخ الاقتصادي ولا أن أتحدث عن النبوءات, وأذكر أن كثيرين يومها تخوفوا من اتجاهات الاقتصاد السوري في اعتماده على توظيفات حكومية تعتمد على المساعدات والقروض أو في تزايد إنتاجه من النفط.. وحذر عديدون من فكرة أننا دولة يمكن أن تكون نفطية.. ورفعوا من يومها سقفاً مرناً لإمكانات الثروة المنجمية في سورية بما فيها النفط.. لكن الاتجاه العام للاقتصاد أخذ مساره على أساس الدولة النفطية أو النفطية بالوكالة.. ونشأ مجتمع متحول اتصف بالاقتناع شبه الاجمالي بامكانية تجميع الثروة دون أعمال وأرباح.. وإنما بألاعيب وتجاوزات.. وقد تشجع على هامش ذلك أصحاب الكفاءات والمقدرات النسبية الى الهجرة والبحث عن مستقبلهم في مواقع أخرى.. ونتيجة ذلك تراجع تطبيق القانون وكثر الفساد وانتشر التهريب واكتشفنا بعد فوات الأوان أننا بنينا الكثير.. وسنستثمر منه القليل.. وأن ما سنستثمره سيخسر كثيراً ويربح قليلاً .. وكان هذا كافياً لتصوير الخطأ والخطر منذ تلك الأيام.. لولا مقدرة النفط.. والنفط بالوكالة على إظهار صورة أخرى زائفة للواقع الاقتصادي. الآن نواجه التحدي وحقيقته: لم يعد النفط يكفي.. ولا مستقبل للاعتماد على النفط.. ومع اهتزاز واقع النفط ودوره ارتجت صورة الاقتصاد بشكل عام فبدا متراجعاً عاجزاً والحقيقة أنه لم يواجه اليوم هذا التراجع والعجز بل رفع عنه الغطاء اليوم فظهرت صورته الحقيقية. طبعاً لا ينفي ذلك أن هذا التراجع والعجز لم يكن على وتيرة واحدة طيلة السنين بل كان مختلفاً بين عام وآخر.. إنما وبالشكل العام.. نستطيع القول: أن العجز والتراجع رافق مسيرتنا بهذه النسبة أو تلك وقد ستَّر عليه النفط.. مشكورة الحكومة بجد.. أنها ترفع الغطاء عن الواقع عبر كشف أوراق النفط وتقديمه بحجمه.. ومشكورة الإدارة الاقتصادية.. أن تدعو لمواجهة واقع التراجع الاقتصادي مع الانحدار الانتاجي النفطي.. لكن السؤال: لمن هذه الدعوة?! لمن هي موجهة..?! أعني: الأمر يشمل اعتبارين.. الاعتبار الأول هو قراءة الواقع.. والاعتبار الثاني هو معالجة الواقع.. الى حد كبير تبدو الحكومة أجرأ الحكومات في تبني الاعتبار الأول أي إظهار الحقيقة.. وأرى أن تتجرأ أكثر.. وأن تقدم الحقائق كما هي.. لأن هذا الوطن يتأمر عليه اثنان: - واحد يحمل الواقع بما ليس فيه. - وواحد يبشع الواقع بما ليس فيه. والطريف أن كلا الطرفين لا يتذكر دوره في إنشاء هذا الواقع.. الى درجة نجد شخصاً كعبد الحليم خدام ينتقد الواقع الاقتصادي والاجتماعي وطبعاً يبشعه بما ليس فيه بالتأكيد ناسياً دوره.. وقد كان وزيراً للاقتصاد أيام كانت سورية تحقق فائضها الاقتصادي من العمل الزراعي والصناعي الوطني.. ووصل بالاقتصاد الى حدود جعلته قابلاً للاعتماد على النفط بالوكالة ثم على النفط وكان خدام أهم مهندسي الدولة النفطية بالوكالة وأهم المستفيدين من الواقع الطفيلي الذي بدأ ينتشر.. فأصبحت أسرته وأولاده أهم بكثير مالياً واجتماعياً من شركاء الخماسية ومن بيت دياب والدبس والخجا والصباغ والشرباتي.. وجميع العائلات البرجوازية السورية الوطنية.. والذين كانوا بمعظمهم غزالين نساجين ولم يكونوا تجار نفط بالوكالة. لقد جعلنا النفط نبني اقتصاداً يتحمل خسارة الزراعة والصناعة وها هو يهددنا بالغروب فماذا نفعل..?! ولمن توجه هذه الدعوة.. ماذا نفعل..?! الزمن لا يعود للوراء.. وإلا لقلت: نعود كلنا فلاحين زراعيين غزالين نساجين وما يتجاوز ذلك.. لكن الزمن لا يعود للوراء.. ومع ذلك أقول.. الاستثمار الحقيقي لمواردنا بما يتطلبه ذلك من أساليب علمية تقنية وإدارة فعلية حقيقية.. يكفي.. ولكن.. كيف..?! صحيح كيف..?! لنترك الناس تفعل..?! وعوضاً عن الوصاية عليهم والتناحر معهم نقدم لهم الدعم.. بما لا يتنافى مع ما ذكرته في مقالي السابق من حتمية الدور الاستثماري للحكومة.. بما يسهل استثمار الامكانات السورية بعد وضعها في صورتها الحقيقية وتحت الاشراف القادر الأمين.
|