تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كلمة أولى الفقراء روحيّاً!؟

ملحق ثقافي
الثلاثاء 17 /1/2006
حسين عبد الكريم

ليس من باب رمي الكلمات،مجاناً، حين نقول:فلانٌ فقيرٌ روحياً..وأناسٌ فقراء روحيّاً..

المئات والآلاف يؤذيهم ويشوههم ويقتلهم الفقر المادي: نقص الغذاء والدواء والهواء والماء واللباس،والضوء والنعاس. والفقراء المقتولون روحياً،يعانون تشوّهاً فظيعاً،في قوام الحلم والعقل،والرؤى،والعلاقات التي بين قناعاتهم،وبين أنفسهم، من جهة،وبينهم وبين الآخرين من جهة ثانية. وأبو الطيب المتنبي، كان على حكمة كثيرة إذ أنشد: «من يُنفقِ الساعاتِ في جمعِ مالهِ مخافةَ فقرٍ فالذي فعلَ الفقرُ» الوعي والغنى النفسي،لايأتي ان بـ « التواصي» و«الوساطات العقاريه أو سواها»..وعصرنا، المصاب بأبشع حالات الشلل والتصدّع، ليس قادراً على تقديم ثروات طائله من الفرح الموسمي،أو الدائم،إنما هوقادرٌ على تقديم ثروات طائله جداً من البكائيات السوداء،والتعاسات النيِّئه،والجاهزه،والمطبوخه،والمشويّه! لكن-رغم كلٍّ هذه الإمكانات العصريه القاتله للروح،و المدمِّره للسرور،بكل أصنافه وأحواله،لابدّ لنا من الشغف،وإنفاق الساعات في جمعِ حُبِّنا ،وأنفاسنا الطيِّبه، مخافة قهرٍ وأوجاعٍ وهلاكاتٍ رجيمةٍ. تعاساتُ،هذا الزمان،محكمةُ الفتك والأذى،تجيءُ إلى الروح كقهر موقوت،ينفجر،في أي حين، على شكل« جلطة غراميه» أو«صداعٍ اشتياقي» أو «حُمّى هاجسيه» وهذه قاسيةٌ،إذ تمسك بتلابيب الهاجس،حتى تخنقه! وكم صعب أن نعيش بأحلام وهواجس مختنقه؟! أن نركض النهار تلو النهار وراء«زنبقة حنين»،أوسوسنة أمل، أو بنفسجة حبِّ بلد،خيرٌلنا من الركض وراء ثروات طائله أو غير طائله،أرصدتها الزحامُ،والكذب الأسود زياده عن اللازم! وهذا لايعني أننا فوق الواقع بل في عمقه ومتنه،ولا نُبرِّىء أشواقنا من بعض المخاوف! لكن الشعريِّة الطفلة، المقاومة لأمراض الشيخوخه المبكره أو المتأخرِّه تساعدنا ، المرّة بعد المرة،والابتسامة بعد الإبتسامة،والأسى بعد الأسى، على التواصل مع المحبين، لأنهم محبون فقط،ومع الأصدقاء،لأنّهم حاجات أرواحنا! إنها «ورطةٌ: أن نبحث عن وصايا الحنين،في زمن كافر بالحنين.والتهمة ليست للزمن،انما لسلوك الإنسان،لأنَّ قيمة الزمان والمكان،مستمدة من قيم النفوس: «ولقد أمرُّ على الديارِ ديارِ ليلى أقُبِّلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا وما حبُّ الديارِ شغَفْنَ قلبي ولكنْ حبُّ من سكنَ الديارا» ومهما يكن من شأن أنفسنا وأنفاسنا،لن نكون بمنأى عن الفقراء روحياً،الذين يحدوننا من كلِّ الجهات،وهم يجدُّون شغوفين،باحثين عن حاجات « الجيب»، عوضاً عن حاجات الأماني،والمعاني!! لكننا غيرُ خائفين على «جملة ومفرّق» أملاكنا،لأن محاكم نادره، التي عثرت أو ستعثر على لصوص،يريدون سرقةَ حرائق الوجد، ومواجعَ الأحلام،وخيباتِ الأماني.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية