تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


غزوان الزركلي: الموسيــقا علــــم أم أخـــــلاق...؟

ملحق ثقافي
الثلاثاء 17 /1/2006
د ويــــس مــــــراد

القدرة على الأداء -دعنا نبدأ بآلة البيانو، برأيك إلى أي مدى تخدم هذه الآلة الموسيقا الشرقية...؟

--إنني أرى بأن آلة البيانو لا تخدم الموسيقا الشرقية، ولكن الموسيقا العربية الحديثة أو الشبابية (الدارجة) مستمرة في التقارب باتجاه الموسيقا الغربية وبالأخص اتجاه الثقافات الأخرى وتستغل تقنية الموسيقات الأخرى في كتابتها كالأندلسية منها واليونانية والهندية. إذاً آلة البيانو يمكن أن تلعب دوراً كبيراً كآلة بحد ذاتها وكقانون (قانون غربي)، يمكن أن تؤدى من خلاله جميع قواعد الموسيقا الغربية من انسجامات، تعدد الأصوات وقدرة على الأداء. المتابعة والارتباط المعنوي:‏

-واكبت مراحل كثيرة في المعهد العالي للموسيقا، حيث قمت بالتدريس فيه، وكنت وكيلاً في عامي 0002 - 1002، ولك تجربة كبيرة في عدة معاهد عالمية، برأيك كيف ستصبح الدراسة لدينا بمستوى الدول المتقدمة موسيقياً...؟ --بالعلم من جهة وبمستوى أخلاقي جيد من جهة أخرى. رفع المستوى العلمي والفني للموسيقيين، والارتباط المعنوي بشكل قوي وجدي بهذا الوطن، ومن ثم المتابعة والمراقبة من الجهات المعنية. وباعتقادي ان هذه الأشياء جميعها غير موجودة بشكل متكامل ومقنع. لعدم كفاءتهم: -والدور المادي، أين مكانته من هذه الأشياء...؟ --هذه النقطة تثار دائماً....!، وتوضع في الدرجة الأولى رغم أنني غير مقتنع بأولويتها، من باب أن التحسين المادي بدون وجود ضوابط تقنية ومستوى فني لا يخدم الارتقاء المرجو. ولكني طبعاً والتأكيد على أهمية الدور المادي. فمن منا لا يطمح إلى حياة مادية أفضل، وهذا ينطبق على الجميع كما على أعضاء الفرقة السيمفونية، ولكن أعذرني إذا قلت: إن بعض العازفين في الفرقة المذكورة لا يستحقون حتى المبلغ الذي يتقاضونه حالياً...!! وذلك لعدم كفاءتهم وعدم جديتهم المعنوية.... ولكن بالنهاية: التحسين المعنوي والمادي، والإرتقاء بالمستوي الفني، وإعطاء الموسيقي حقوقه المادية. هذه الأشياء كلها ينبغي أن تكون ضمن إطار متكامل يوضع للفرقة السيمفونية، وللأسف، هذا غير موجود حتى الآن رغم مرور اثني عشر عاماً على تأسيس الفرقة. فليس لها ملاك، وأي عازف معرض بين ليلة وضحاها أن يترك العمل ضد إرادته لعدم وجود ضابط للحقوق والواجبات. الثقافة بعينها -الموروث الديني كان نقطة انتباه لكثير من الموسيقيين، كيف لغزوان زركلي أن يستفيد من هذا الموروث؟ --الموروث الديني يعتبر موروثاً ثقافياً في الدرجة الأولى، وأي مواطن داخل سوريا مسيحياً كان أم مسلماً، يتأثر بهذا الموروث، أنا مسلم واشتركت في المهرجان الترنيمي المسيحي، حيث قمت بتلحين نصٍ دينيٍ حُضّر لهُ في كنيسة (سيدة دمشق) وعرض في مسرح سينما الزهراء قبل عدة سنوات. وأظن أنهُ من المهم جداً الاهتمام بالموروث الديني الإسلامي، لأنه مهمل أكثر من غيره، أما الموروث الديني المسيحي فيتم الاهتمام بهِ، حيث يتم تدريسه كمادة في الجامعة السريانية الموجودة في ريف دمشق، وهناك في لبنان (جونيه) فرع للموسيقا الدينية (المارونية) يؤهل الطالب في جامعة الروح القدس ليحصل على دبلوم جامعي في هذا الاختصاص. الموسيقا والفلسفة أختان -هل هناك تقاطعات بين الفلسفة والموسيقا...؟ --موضوعهما واحد، فمحتوى الفلسفة الأساسي هو علاقة الإنسان بالكون، الجسد بالروح، العقل بالقلب، وكان للفلسفة دور كبير في تغيير المجتمع الذي جعل في القرن التاسع عشر، ولا شك أن الفن يعكس علاقة الإنسان بالعالم المحيط من البشر والطبيعة ويعكس علاقته مع ذاتهِ. ومن جهة أخرى فالفن تَوْق إلى التغيير باتجاه حياة أفضل وأجمل، فأظن بأن موضوع الفلسفة والفن واحد ولكن الوسيلة مختلفة، الفلسفة تعبر بالكلمة ومفهومها، بينما يتحول الأمر في الموسيقا إلى رد فعل صوتي يستعمل الأنغام ويحكي عما يعتلج في نفس الإنسان من جرّاء المواقف المختلفة، بالإضافة إلى فن الموسيقا هو فن زمني نتذوقه ضمن وقت معين (وليس كاللوحة أو كالعمل النحتي)، وهذه الخاصية الزمنية تعطيها القدرة الكبيرة للإلمام بتغيرات دقيقة تحصل بشكل أفقي (لحني) وبشكل عمودي (هارموني) وهناك مسألة أخرى أضيفها وخصوصاً في الموسيقا الأوروبية حيث تتعدد الأمزجة بين المقاطع والحركات المختلفة لتُصاغ كل هذه العوامل في مؤّلف فكري بالغ التنوع، حتى في ضخامة الصوت ونعومته، الشيء الذي لم نتعوّد عليه في ثقافتنا الموسيقية التي تعتمد على قوة صوت واحدة ثابتة، في العمل الفني سواءً كان قطعة آلية أو غنائية. الفسيفساء الجميل -هناك قول للموسيقي الكبير كوميتاس: (إن لغة وآداب أي شعب يمكن أن تتغير وتزدهر تبعاً لشكل ودرجة تأثّره بآداب ولغات أخرى، ولكن إذا امتلك شعب ما لغة وآدباً خاصة به واحتلت مكاناً مرموقاً بين الشعوب، فلا بد لهذا الشعب أن يكون له موسيقا أصيلة....) ماذا تقول أنت؟ --أنا كسوري أعتز جداً بالتنوع الموجود لدينا، سواء من الناحية الدينية أو القومية، وكعربي أرى أن الثقافة العربية هي الثقافة التي تجمع الكلّ، من ناحية، ولا تقمع أحداً لا ثقافياً ولا قومياً ولا دينياً من ناحية أخرى، وهذا هو السر في وجود لحمة وطنية في هذا البلد والبلد الذي يبتعد عن التعصب بجميع أنواعه تزدهر فيه الثقافة ويزدهر الفن، إلا أنه يحتاج إلى مؤسسات تعليمية قوية، تستفيد من هذه البيئة وتطبق أمتن القواعد العلمية والفنية، وهنا يكمن أيضاً الانفتاح الذي تحدث عنه كوميتاس. إننا نستلهم ونتعلم من خلال القواعد الموسيقية الكلاسيكية الأوروبية، وكما لمح كوميتاس أيضاً، فإن البحث عن الخصوصية الثقافية لا يقل أهمية عن تحصيل المستوى العلمي. هذان العاملان يمشيان جنباً إلى جنب ويؤثران بعضهما ببعض للنهوض بالمستوى الثقافي وللوصول إلى ما نسميه اليوم بالأصالة. لذلك يجب علينا أن لا ننسى هويتنا الموسيقية العربية والشرقية، وأن نهتم بالموسيقا الدينية، ونهتم بشكل جدي بموسيقا الأقليات السورية، أو على الأقل ندعم مبادراتها الأهلية. لا تعارض بين الكلاسيك والشعبي -من المعروف أن الموسيقا الشعبية تخاطب العاطفة لا العقل، ألا تعتبر الموسيقا التي تخاطب العقل لوحدهِ تكون بعيدة عن الناس، وكيف يمكن أن نوازن الاثنين في مقطوعة موسيقية واحدة؟ --للموسيقا أنواع، ووجود الشعبية منها لا يتعارض مع الموسيقا الكلاسيكية، الإنسان كما قلت بحاجة إلى القلب والعقل معاً، وليس بالضرورة أن نقحم كل شيء في نوع واحد من الموسيقا، لكل موسيقا دوره. الموسيقا الفلولكلورية (الريف)، والموسيقا الدارجة (الأقرب إلى المدينة) والموسيقا الكلاسيكية العربية (من القصائد والموشحات والأدوار). لكل شيء مما ذكر أهميته إلى جانب الموسيقا الأخرى كالديسكو (الشائعة جداً في هذه الأيام) وموسيقا المسلسلات التلفزيونية والإذاعية (التصويرية) وأخيراً ليس آخراً الموسيقا الكلاسيكية الأوروبية التي هي تراث فكري إنساني أو موسيقيات الشعوب الأخرى. الكلمة والنغم -هل يمكن الفصل بين الكلمة والنغم أو فهم الواحد دون الآخر؟ --نعم يمكن الفصل بين النغم والكلمة عندما تكون لديك موسيقا آلية صرفة، ولكن لا يمكن الفصل بين الكلمة والنغم، فالكلمة تعيش إيقاعها الخاص بها مرة أخرى من خلال لحن يحاول أن يعطي لبعديها اللغوي والإيقاعي (وقعها) بعداً ثالثاً يؤكد ويوسع مدى تأثيرها، ويصبح لها فراغ تعبيري أكبر عندما يدخل النغم عليها. ومن نافل القول ان هناك أنواع كثيرة وكبيرة للأعمال الغنائية المتدرجة من لحن شعبي بسيط وقصير، إلى قصيدة غنائية معقدة وطويلة. الثقافات وهويتنا -للشعب العربي آداب ولغة غنية، لها مكانها المرموق في العالم، للأسف الموسيقى العربية الحالية ليست على مستوى اللغة العربية وآدابها... لماذا برأيك...؟ --الموسيقا العربية كانت على مستوى عال وكانت تواكب الرقي الأدبي والفكري، في عصور النهضة العربية القديمة، أما الآن فهناك صعوبات كثيرة تعترض الموسيقي العربي، مثلها مثل باقي الصعوبات عند المبدعين في مجال اللغة والفن البصري. وتعتبر صعوبات الموسيقا أكبر وتطورها أيضاً من غيرها، أي أنها تحتاج لوقت تتراكم فيه قواعدها النظرية الخاصة بها. أما موضوع الهوية الثقافية فيؤثر بشكل قوي وسلبي جداً على الموسيقا، فالموسيقا في بلدنا مغلوبة على أمرها بحيث أنها لا تستطيع أن تُجاري المد الغربي الجارف الذي تجابهه. وفي عصر العولمة الثقافية، وكما أشار كوميتاس أيضاً نعيش الثقافات الواثقة من نفسها، أي التي تعتمد على أرشيف ومؤسسات تعليمية تحفظ وتدرس وتطور. نحن في الموسيقا لا نملك حتى مدرسة واحدة تدرّس تراثنا الموسيقي لكي نحافظ عليه ونطوّره. هنا من السهل جداً الانقياد إلى المد الجارف الآتي من الغرب والمتمثل بفن (أو صرعة) الفيديو كليب. من الناحية البصرية نواجه إيجابيات متعددة ولكن وبشكل خاص من الناحية الموسيقية فنواجه سلبيات جدّية. هذه السلبيات تكمن في جعل المادة الموسيقية سلعة براقة رائجة، إنما متكررة ومتقاربة، وربما متماثلة تعيد إنتاج نفسها بشكل بعيد عن الإبداع والأصالة. هذا لا يعني عدم وجود تجارب ناجحة وإنما قليلة نسبياً، وهي التي تعبر عن الثقافة الواضحة وتنتمي إلى الهوية القومية أذكر منها: الأغاني الناجحة التي تحمل الروح الخليجية والمغرب العربي والشعبية المصرية، والشعبية اللبنانية، ولا تنس التجارب التي تستخدم العناصر الموسيقية العربية/الإفريقية أو تلك التي تأخذ مادتها من شبه الجزيرة العربية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية