تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأرقــــــش والغجــــرية

ملحق ثقافي
الثلاثاء 17 /1/2006
حـنــــــــــا مينـــــــــا

حلـــــــقة 1 عند الغروب أقبل بعض الصيادين إلى النبع، ليشربوا من مائه العذب، ويرتاحوا قليلاً من مطاردة الذئب الأسود، الذي غدا وهماً وحقيقة، وكاد أكثرهم يكفر بهذه الثنائية التي يتمسك بها الحكيم بشير، دون تحديد لما هو وهم، وماهو حقيقة، كي يعرف الصيادون ماذا يطاردون، وإلى متى هذه المطاردة الغريبة!؟

وقد سر الأرقش بوصول الصيادين إلى النبع، وفرحواهم برؤية الأرقش، الذي سمعوا دون أن يروه، آملين باجراء حديث صريح معه، يخرجهم من العتمة العبثية التي يتخبطونفيها، كذلك وصل الطبيب ياسر وميلاد، وتخلف نافع الداري وفدوى، وفكرالأرقش:« أنا انسان أيضاً، وأنصرف كإنسان، ومن الطبيعي أن أحب، الا إن التي أحبها ليست رئيفة ولا فدوى، إنها حلم، يظل في المبتغى يراود، وهذا جيد، فمن لا يحلم ينتهي، وحلمي، في القضاء على القلاع، حلم طائش، رهن بالمستقبل، والمستقبل أبعد من مدى الظن، والقضاء على الذئب الأسود، على مثل هذه المسافة أيضاً، واليوم الذي يمل به الصيادون من مطاردته قريب، فماذا علي أن أفعل؟» قام الطبيب ياسر بما عليه، غسل الخدوش التي على جسم الأرقش، نظفها جيداً، دهنها بالمرهم المتوفر لديه، أعطاه مضاداً للالتهاب، قال له: -محاولة الاغتيال كانت حقيقية إذن؟ قال الأرقش: - هي كما تقول، ولولا وجود الحكيم معي، لكنت الآن في عداد الأموات. قال الطبيب ياسر: - وستبقى حياً ميتاً،مادمت تطلب شيئاً يعتبر الآن، في المستحيلات،أنت ياصديقي، تريد الانتحار على يد غيرك، فهل تخاف أن تنتحر على يدك، كما يفعل الذين يئسوا من هذه الدنيا؟ قال الأرقش: - ربما نعم، ربما لا .. تول أنت معالجة هذه الخدوش، ودع تحليلاتك النفسية جانباً، لأنها في مثل وضعي، تضر ولا تنفع.. ميلاد يقول إن الذئاب السود تسرح وتمرح في شوارع العاصمة والمدن أيضاً، وهذا يعني ــ أن الامور بلغت حداً من السوء رهيباً، حتى لا يمكن القول إن القضاء عليها يدعو إلى اليأس.. لكننا ولو بقينا قلة، علينا ألا ينئس، ولن نيئس،أما الانتحار فإن الحياة ممكنة، مادام موجوداً، ولن أفعل كما فعل المتنبي، فانتحرعلى يد فاتك أسدي، مهما بلغت المصاعب، واشتدت الأزمات.. أنا لم أقل: «الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم» بل قلت كما قالت الهداهد:«للظلم يوم وللمظلوم يومان!» قال الطبيب ياسر: - ميلاد فتى شجاع، وهو الذي أصر على أن يأتي إليك ودون كلمة راح يحمل بندقية ويتوغل في الغابة، ماذا في الغابة سوى الموت؟ قال الأرقش حدباً: - فيها الحياة أيضاً. - وفيها الكذابون! -وفيها الصادقون. قال الطبيب ياسر وهو يضع صرة كبيرة أمام الأرقش: جئناك بما تيسر من طعام.. كيف يتدبر الصيادون أمورهم؟ - شكراً على الطعام يا طبيب.. الغابة كريمة، والصيادون يعيشون على كرمها، وعلى الطرائد التي يصطادونها وهي كثيرة، وكذلك على الطعام الذي يوضع ليلاً عند النبع.. الشعب معنا، والشعب يقدر ما نفعل لأجله، فيجزي على الجميل جميلاً.. هناك من يأتي بالطعام إلى النبع، دون أن يدعنا نعرف من هو، ودون أن نصر نحن على هذه المعرفة، والقاعدة المثلى، بالنسبة للمناضلين، هي التغلغل بين الناس، كلما اشكلت عليهم الأمور، واحتاجوا إلى حل لهذه، أوتلك من القضايا.. أرجوك يا ياسر، أن تداوي هذا الجريح الذي ينزف كتفه، بفعل رصاصة من بندقية قمطرة.. إنه خائن، لكنه جريح، وهذا الخائن متهم حتى الآن، وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته، لذلك علينا الا نتعجل بالحكم. فتل الصيادون من لحاء بعض الاغصان أمراساً، قيدوا بها الشادوف ودغمش إلى شجرتي صنوبر، وارتعدت رئيفة من تصور مصير مماثل، الا أن الحكيم قال لها: -اطمئني! قالت: - أنا لم أفعل شيئاً. - أعرف هذا. - ولن تنتقم لأنني اسقطتك في ماءالنبع. - لو أردت الانتقام لا نتقمت بعد سقوطي. - إنني أخاف هذه التي اسمها قمطرة - لاتخافي أحداً. - هل هذا لأنك تحبني ياحكيم؟ فكر الحكيم بشير قليلاً، يمسد شعر رئيفة بأنامل حنون، داعب وجنتيها، رفع وجهها إليه ولم يقل شيئاً.. كان يريد أن يحميها، أن يرد الأذى عنها، أن يجعلها غير مبلية بما ترزه عينا قمطرة من نظرات حقود لأنه في خبث اللاشعور كان لايزال يشتهيها، وفهمت ذلك رئيفة بحساسية الأنثى فقالت: -هل تتزوجني ياحكيم؟ - والأرقش؟ - كنت أحب الأرقش، أما الآن فإني أحبك أنت. - ودغمش؟ -آه! لاتذكرني! - تخافينه وهو مربوط إلى صنوبرة؟ - لاأخافه ولكن..آه ياحكيم! آه ياحكيم! ماذا فعلت بنفسي؟ - هل فعلت ما يسيء إلى نفسك؟ - أردت الانتقام، فأضعت نفسي! - الانتقام. مني!؟ - ومن سواك. قال الحكيم بشير: - إذا كان الأمر يتعلق بي، فقد عفوت عنك، فقد كنت المعتدي، وكنت في حالة دفاع عن النفس، والأمر، بعد هذا بسيط جداً، أقوم فألقيك في حوض النبع، وتكون واحدة بواحدة! أطرقت رئيفة دون أن تجيب، كانت تخاف أن تجيب، أن تقول ما في سريرتها المعذبة.. الأرقش خطر،داهية، لم يربطها إلى صنوبرة كما فعل بدغمش، لم يكترث بها، وعدم الاكتراث هذا أوجعها ،فكرت: «أنا في نظره لا شيء، ولوربطني لكنت شيئاً، الأفضل أن أكون شيئاً وأربط، أن كون موضع اهتمامه وأموت، إنه يحتقرني، يذبحني باحتقاره، وزاد على الاحتقار أنه أعاد لي بندقيتي القديمة، وفيها مشط من الرصاص، لماذا أعاد لي بندقيتي وفيها مشط من الرصاص؟ كي أقتله؟ لا ! كي يهزأ بي لأنني الضعيفة وهو القوي، كي يجعلني أفهم أن كيدي، كامرأة، لايعنيه في شيء، وأنني غير قادرة على قتله، وإن قمطرة أكثر إيثاراً مني بالنسبة إليه.. لكنني، أنا رئيفة، سأقتله، سأقتله ولوكان جزاء القتل الإعدام، هذا الغبي، هذا الأرقش المتغطرس، سيكون عبرة لغيره،لمن تحبهم المرأة، فيديرون ظهرهم للمرأة» وقفت رئيفة، تناولت بندقيتها، سددت إلى قلب الأرقش، أحكمت التسديد، أطلقت النار، لكن الرصاصة أصابت غصن الصنوبرة، بفعل يد رفعت سبطانة البندقية إلى أعلى وكانت هذه يد قمطرة، التي قهقهت وهي تقول: - تجربة واحدة تكفي ! هاتي البندقية حتى لاتتكرر التجربة، وعلى نفسك هذه المرة! أضافت قمطرة بعد أن انتزعت البندقية من رئيفة: أنت صغيرة بعد، صغيرة وجميلة، وهذا اعتراف من امرأة ثمين جداً لوكنت على دراية كافية به.. عودي إلى مكانك إلى جانب الحكيم بشير، وإذا كان الجلوس إلى جانبه لا يروق لك ففي الغابة متسع للهرب.. لكنك غير مذنبة، ولهذا لن تهربي، ولماذا لن تهربي؟ أنا أقول لك: لأن الأرقش هنا الأرقش، إذا كانت فراستي جيدة، روحك، ولاسبيل إلى الهرب من الروح..تبكين؟ لا ! لاتبكي، تعالي إلي أشم رائحة الأرقش فيك.استسلمت رئيفة إلى ذراعي قمطرة المفتوحتين، كانت رئيفة تخافها، كانت ترى في نظراتها المسددة إليها، مثاقب تخترق جلدها وتحفر في اللحم، إنها رهيبة، وهذا الانطباع الذي أخذته رئيفة عن قمطرة، كان انطباع انثى، تغوص عميقاً، في احاسيس انثى تقابلها، وتستشعر أمامها بحرج في التصرف، واثقة من لطفها وغير ناكرة هذا اللطف، قائلة في سرها« قمطرة لا تعرف، أغلب الظن ماكنت أبيته للأرقش، وأنا حيالها، أرنب أمام ذئبه، ولوفكرت بالهرب كما تدعو لوجدت الفضاء باعاً أو ذراعاً لأنها كما قال النابغة «الليل الذي هو مدركي، وإن خلت إن المنتأى عنه واسع» وعلي تأسيساً على ذلك، أن أجاملها أن اتظاهر انني مطمئنة إليها، لكنني لا أعرف تماماً، وقد لا أعرف أبداً نوع العلاقة التي تربطها بالأرقش» قالت قمطرة وقد استشفت ما يجول بخاطر رئيفة: - هناك سؤال يارئيفة، يتبدى على شفتيك، وأنت تجاهدين لكي لا يخرج منهما، فما هو؟ كوني صريحة معي، قولي الذي في قلبك. قالت رئيفة: ليس هناك شيء في قلبي. - أنت لاتزالين خائفة مني.. اذهبي، الآن إلى الحكيم بشير، ودعيني أقوم بواجبي! ذهبت رئيفة إلى الحكيم بشير، جلست إلى جانبه دون أن ترفع ناظريها إلى وجهه، كانت تكابد وطأة ذنبها، وكانت خجلة من محاولتها إطلاق النار على الأرقش، ولم تجرؤ على الكلام، ونسيت، لشدة ارتباكها،أنها سألت الحكيم:«هل تتزوجني؟» وأنه لم يرد على سؤالها، مع أنها على يقين أنه يشتهيها، وما تريد معرفته، بعد كل هذا العذاب النفسي:«من الأقوى: الحكيم بشير أم الأرقش؟ إذا كان الحكيم بشير فتأخذه الرأفة بها، وإذا كان الأرقش، بجبروته فإن مصيرها قد تحدد: الموت! ولن تأخذه شفقة عليها، بعد أن أطلقت النار عليه. قال لها الحكيم بشير: - كنت سعيداً عندما رأيتك في ألفة مع قمطرة.. وكنت مستغرباً هذه الألفة بعد إطلاقك النار على الأرقش.. قمطرة هذه تفدي الأرقش بروحها، وهي لديه أغلى من كل الرجال الذين معه. - إلى هذا الحد؟ - الظاهر يارئيفة إلى أبعد من هذا الحد. - هل هذا لأنها تحبه؟ - لا أدري! - وهل هذا لأنه يحبها؟ - لا أدري أيضاً! - والكلمة النافذة هنا، لك أم للأرقش؟ «خبث الانثى، رئيفة من سلالة حواء، ولأنها من هذه السلالة فإن الانثى فيها هي التي تتكلم.. سؤال غير متوقع، يتجلى في التفاحة الأولى.. سألتني إذا ماكنت أقبل أن اتزوجها، لم أجب على السؤال، طرحته الآن بأسلوب آخر،‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية