تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


النحات غسان صافية: الفـــــن فضـــــاء مفــــتوح

ملحق ثقافي
الثلاثاء 17 /1/2006
أيمن الحرفي

< كم استغرق تنفيذ هذا العمل الرائع وما المادة المستخدمة في ذلك؟ << قمت بتنفيذ هذا العمل على مادة الحجر الوطني «رخام رحيباني» بطريقة النحت المباشر وقد استغرق العمل حوالي أربعة إلى خمسة أشهر لانجازه وذلك لضخامة الكتلة والتي كانت تزن حوالي عشرة أطنان ومن ثم آل وزنها إلى ثلاثة أطنان ونصف بعد انجاز العمل «وزن التمثال» الذي يتراوح ارتفاعه حوالي ثلاثة أمتار مع المنصة «القاعدة»

وعرض 071 سم وعمق 09 سم وقد وضعت له عدة دراسات أولية معتمداً على ما توفر لدي من رسوم تقليدية لهذا الموضوع بحيث استخرجت منها أبعاد التمثال ولكن بتكوين مبتكر وجديد ومختلف كلياً عن كل ما رأيته من نماذج ورسوم وذلك لضرورات مهنية أولاً « حجم الكتلة وشكلها المستطيل» بحيث كان علي أن أنسج تكويناً يتلاءم مع الكتلة التي بين يدي ولكي أستفيد من أبعادها إلى أقصى حد ممكن لإظهار ضخامةالعمل وهذا ما حدابي إلى تكوين التمثال تكويناً مختلفاً عما رأيته من الرسوم والنماذج. < هذا بالنسبة للشكل والتكوين، ولكن ماذا بالنسبة لطريقة التعبير عن الموضوع أي الصراع بين الخير والشر؟ <<عبرت عنه باسلوب واقعي أقرب إلى العفوية منه إلى التكلف والتصنع فأتى العمل على سجيتي وانفعالي بالفكرة «فكرة الصراع بين الخير والشر» وهذا مايبدو جلياً في ملامح الجواد الجامح ونظراته المتقدة غضباً على التنين الذي يفغر فاه نافثاً الحقد والشر ناظراً بعينين ناريتين باتجاه الفارس «القديس»‏

وجعلت مخالبه تغرس الصخر تعبيراً عن ألمه جراء تلقيه طعنة الرمح المسنون الذي يخترق فكه السفلي وكذلك تشبثه بموقفه المصر على الفتك «الشر» مكشراً عن أنيابه المتعطشة للافتراس... < ولكننا شاهدنا شخصية القديس هادئة دون انفعال خلافاً لحركة الجواد والتنين؟ << أتت شخصية القديس هادئة متزنة واثقة من خلال قسمات وجهه التي لا تنم إلا عن انفعال هادئ بسيط وما ذلك إلا لاعتبارات عقائدية كاثوليكية لا سبيل لتجاوزها حيث يجب أن يبقى القديس هادئاً رزيناً حتى وهو في أشد اللحظات اضطراباً وعنفاً بحيث يجهز على التنين وهو واثق من نفسه ومن قدرته وكأن قوة إلهية بثت فيه القدرة والشجاعة و الهدوء في آن معاً وبملامح وقسمات لا تخلو من مسحة جمالية بحيث إنه (أي القديس) كما تقول الاسطورة كان شاباً يافعاً وسيماً.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوى الخير والجمال والسلام مقابل قوى الشر و الطغيان.. لذلك كان علي أن أركز في التعبير عن الاضطراب والانفعال في حركة كل من الجواد والتنين وهذا ما نراه واضحاً في عضلات الحصان المتوترة وأوداجه المنتفخة التي تنم عن الاحتقان والغضب. < ما الذي يميز عملك هذا عن أعمالك السابقة؟ <<يختلف هذا العمل عن أعمالي السابقة كونه التجربة الأولى من نوعها من حيث ضخامة الكتلة والجهد والمبذول في الانجاز وكذلك بالنسبة لطريقة وأسلوب المعالجة فقد عالجته بأسلوب واقعي عفوي ليس فيه تكلف، أي إنني تركت مناطق من الكتلة الصخرية على حالها دون أية رتوش ليبقى أثر استمرارية العمل بحيث يشعر المشاهد أو المتلقي بأنني يمكن أن أستمر أو أتابع في أية لحظة وكأنني لم انتهِ منه بعد. < وكأنك تحاول اتباع مدرسة ما يكل انجلوفي ترك مساحة في الكتلة النحتية للبدء فيها من جديد.. << نعم ... تأثرت باسلوب و مدرسة عبقري النحت مايكل انجلو حيث أننا نجد آثاره الخالدة وكأنها لا تزال تنتظر يده المبدعة لتتابع عزفها على قيثارة المرمر في كل لحظة وهي ما أسميها اللحظة الهاربة، لذلك اعتقد أن جمالية العمل في الرخام تكمن في عدم الانهاء أو على الأقل في الابقاء على بعض اللمسات العفوية كما هي دون أية إضافة أو رتوش أو إتمام.. أما في أعمالي السابقة فقد اتبعت أساليب متنوعة وتقنيات مختلفة وطرقت العديد من المدارس الفنية المعروفة انطلاقاً من الواقعية الى الواقعية التعبيرية والرمزية وانتهاء بالتجريد (كما في التصوير الزيتي تحديداً، ولكن أبقيت على صياغتي الواقعية التعبيرية في النحت إن كان على الخشب أو الرخام أو الحجر أو البرونز مع بعض التحوير والتشويه المتعمد لإظهار الانفعال الداخلي والتعبير عن الخيالات والهواجس التي كانت تعتريني.. < أين تجد نفسك أكثر في العمل النحتي أم في اللوحة القماشية كونك مارست ألوان الفن التشكيلي؟ << أستطيع القول بأنني أجد نفسي في العمل النحتي أكثر ما أجدها في اطار اللوحة القماشية.. بالرغم من أن التصوير الزيتي والنحت لدي متلازمان منذ بدأت ولوج عالم التشكيل إن كان في الصخر أو على القماش.. وطبعاً هذا العمل هو بمثابة بوابة لأعمال أخرى بنفس الضخامة أو ما يقاربها لأنني أحببت العمل على الأحجام الكبيرة وذلك لأنني أجد فيها تفريغاً هائلاً لانفعالاتي وتلك اللذة الغامضة التي تعتريني وأنا أسمع صوت رنين الإزميل تحت المطرقة وأنا في خضم العمل ما يعطيني مجالات أوسع وآفاقاً أرحب من العمل على الخامات الصغيرة الحجم أوحتى على اللوحة. < هل هناك أعمال قادمة تحاكي هذا العمل إن كان في الحجم أو في الأسلوب؟ << أنا أحضر الآن لعمل قادم أيضاً يحمل طابعاً واقعياً وفيه محاكاة لأحد أعمال مايكل انجلو الذي أجد فيه المعلم الأول والأخير وهذا لا يعني طبعاً التقليد الحرفي أو الكلي وإنما الاستفادة من أعمال أمثال هؤلاء المعلمين العمالقة لتطوير خبرتي وتقنيتي لأنه وبرأيي على الفنان دائماً أن يستفيد ويطلع حتى أو يقلد لكي يصل الى مرحلة النضج الفني الكامل للتعبير عن أفكاره وهواجسه بكل حرية وعفوية ودون أية قيود تقنية وهذا ما يتطلب دراسة دائمة وممارسة يومية ويبقى لدي أمل ورجاء في أن أكلف بعمل نصابي أعبر فيه عن مشاعري وحبي لوطني الحبيب مهد الحضارات سورية. والفن برأيي بحر لاقرار له وفضاء لا يحده أفق.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية