الشاعر الفقير
ملحق ثقافي الثلاثاء 17 /1/2006 رؤى بـــــــــوز دخلت (رباب) المكتبة مبتسمة فرحة، فقد آن لها أن تطالع بعض القصص في المكتبة العامة للمدرسة بعد أن تجاوزت الصف الرابع الابتدائي. ارتسمت صورة معلمتها في الصف ذات الشفتين الغليظتين، وهي تفرض على كل تلميذ مطالعة القصص بشكل مستمر، كانت تقف منتصبة القامة وتكتب على السبورة اسم الكتاب الواجب مطالعته هذا الأسبوع.
تناولت (رباب) الكتاب الذي أشارت إليه معلمة الصف، وقد داهمها فرحة عظيمة إذ إنها سبقت زملاءها في الصف لقراءته، كتاب يتضمن حوالي عشرين قصة قصيرة في نهاية كل منها عبرة للحياة، عنوانه (حكم باسم).s5 تأملت (رباب) أولا غلاف الكتاب،بدا لها العم ( باسم) رجلا قويا أسمر له لحية بيضاء طويلة، وقد ارتدى ثيابا أرجوانية اللون، لكنه نسي ارتداء حذائه. فتساءلت (رباب) في ذهنها( لماذا لا يرتدي العم باسم حذاء؟ أمن المعقول ألا يملك هذا الرجل الحكيم الذي ينعمنا نحن الصغار بحكمه وقصصه الرائعة مالا ليشتري حذاء؟). جلست رباب على أحد المقاعد الخشبية المتوضعة في المكتبة الكبيرة وأخذت تطالع القصص، بدأت القصة الأولى التي كانت تسرد قصة شاب غير متفوق في المدرسة، فتركها واشتغل بقالا وعاش حياته فقيرا، لكنها ما إن قلبت الصفحة حتى وجدت رجلا أسمر ذا لحية طويلة بيضاء يخاطبها:« لا تصدقي ما ترويه القصص، فصديقي الذي تفوق في دراسته ودرس الهندسة المدنية يعمل الآن في ورشة صياغة يترأسه فيها صديقه الكسول في المدرسة». اندهشت رباب لما يقوله الرجل الأسمر، أمعنت النظر في لحيته البيضاء، ثم نظرت إلى قدميه فلم يكن يرتدي حذاء. فتساءلت:« أليس أنت العم باسم؟». أجابها الرجل بابتسامة لطيفة:«نعم، هذا أنا، إنني هنا قربك لأمدك بحكم واقعية عن هذه الحياة، لتغزلي من قصصي وأقوالي نسيجا ذهبيا يضيىء لك دربك في حياتك». ابتسمت ( رباب)، عادت تقرأ القصة الثانية، كانت تروي قصة تلميذ مدرسة، يحبه جميع أصدقائه ذات يوم طلب منه مدرس الصف إنجاز لائحة بمناسبة عيد الأم بأقصى سرعة فلم يقدر وحده، لكنه عندما طلب من أصدقائه مساعدته أنجز اللوحة وبالوقت المطلوب. ابتسم عندها باسم بسخرية وقال آسفا: « الصديق في هذه الدنيا يتواجد قرب صديقه أيام الفرح لكنه في أيام الشدة والحزن يفترق عنه دون كلمة وداع». حزنت رباب إذ إن لها أصدقاء كثيرين، عادت تقرأ القصة الثالثة، كانت تحكي قصة شاعر حكيم اشتهر لدى سكان بلدته بشعره، كان يروي حكمه من خلال تأليف أبيات على قافية واحدة بحر واحد، اتخذ هذا الرجل من الشعر وسيلة لكسب عيشه، وألف كتابين من أروع الكتب، لكن أحدا لم يشتر كتابيه، انتظر سنة ثم سنتين لكن أحدا لم يقرأ، ازداد الرجل فقرا بسبب عدم بيع كتابيه ومعنويا لعدم اكتراث الناس بشعره الرائع. تشتت أصدقاؤه، فبدأ يبيع ما يملك، جاء مرة اليه رجل، ظن أنه يريد شراء أحد الكتابين لكنه كان قد أحب حذاءه، فباعه له، كان جائعا جدا لدرجة أنه وافق على بيع حذائه مقابل حفنة من المال. ومن وقتها قرر أن يربي لحية ولا يقصها إلا عندما يبيع أول كتاب، كانت اللحية تطول مع الأيام. حزنت (رباب) لحال ( باسم )، خرجت من المكتبة بسرعة لتحضر قلم تلوين، رسمت على غلاف الكتاب حذاء بسيطا لقدمي ( باسم) ولونته بلون أرجواني كامد. ابتسمت عندها بشدة، لكن صوت معلمة الصف التي ضبطتها وهي تلون غلاف القصة قطع لها فرحتها، فطردت من المكتبة.
|