تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«الفجوة الرقمية» اللغــــة ومعــــرفة الاخــــتلاف

ملحق ثقافي
الثلاثاء 17 /1/2006
أوس أحمـــد أسعــد

حين تتبنى الدول النامية ومنها الوطن العربي /سياسة النعامة/أمام المتغيرات العالمية الهائلة التي تحدث أفقيا" وعموديا" وتبدو كمن يهيم في واد والعالم من حولها في واد آخر فانه لابد من قرع طبول الخطر ولكن هل من مجيب؟

إن الكتاب الذي نحن بصدده /الفجوة الرقمية /digital divide - يدق مثل هذه الطبول ويحذر من اللامبالاة والسلبية تجاه هذه المستجدات مشيرا" إلى المشكلات في عمقها وإلى الحلول في إمكاناتها المتاحة عبر رؤية عربية استشرافية لمجتمع المعرفة،‏

يتوسل المؤلفان بها أن تساهم في خلق نظرة تكاملية للموضوع مبنية على معطيات وإحصائيات دامغة وقد توزع الكتاب على سبعة فصول تفصيلية تشير إلى الفجوات الأساسية التي لابد من ردمها لمواكبة جملة المتغيرات هذه والاندماج في حركة العالم المتصاعدة إلى الأمام (الفجوة الرقمية، فجوة المحتوى، فجوة الاتصالات، فجوة العقل، فجوة التعلم، فجوة اللغة، فجوة اقتصاد المعرفة) مع سبت بالمراجع العربية والأجنبية - الفجوة الرقمية:‏

إن تاريخ البشرية ماهو في جوهره سوى دراما متصلة للصراع بين من يملك ومن لا يملك (السلطة، الثروة، القوة، القدرة) ويعجز الساسة والاقتصاديون والمصلحون الاجتماعيون والتربويون والمنظرون والمفكرون عن سد وردم الهوة بين الطرفين كما تكثر الحلول الإصلاحية/الترقيعية/عبر تأسيس صناديق الدعم ووكالات الغوث والإعانة لكن دون جدوى فقافلة الفقر ماضية لا أحد يقف في طريقها، بقدرية غريبة تحت عناوين جديدة والموت واحد كما يقال. وخطاب التنمية الإنسانية يزخر بالعديد من مرادفات الغنى والفقر، التقدم والتخلف,الشمال والجنوب,‏

المركز والأطراف، ما بعد الصناعي وما قبله. لكنها تبقى محاولة للتوصيف فقط وآخر هذه التوصيفات ( الفجوة الرقمية ) تلك التي ظهر مصطلحها في أمريكا /1995/لافتا" الانتباه إلى الفرق الشاسع بين فئات المجتمع الأمريكي في استخدام الانترنت والكمبيوتر ثم غدا مفهوما عالميا" يعكس الشرخ العميق بين العالم المتقدم والعالم النامي. وللعرب حظوظ مثلى في التلقي السلبي لمثل هذه المتغيرات الجوهرية العالمية حيث يواجهون /فجوة رقمية /ثلاثية الأبعاد وتتجلى على النطاق العالمي بين الاقليم العربي وأقاليم العالم الأخرى وعلى النطاق الإقليمي بين البلدان العربية وعلى النطاق المحلي داخل كل بلد عربي لوحده. وتبقى فجوة الفجوات تلك التي تفصل /العالم العربي عن إسرائيل /0‏

فالصراع العربي الإسرائيلي دخل أو يكاد مرحلة جديدة تتوارى فيها القوة العسكرية لصالح القوى اللينة /العلمية، الفكرية، التربوية، الإعلامية، التراثية، الدينية -/ويشير الكاتب " بهاء الدين شعبان " لمثل هذا الخطر قائلا: إننا يجب أن نأخذ التحدي الإسرائيلي المعلوماتي بأقصى درجات الجدية فهو سيجعل من إسرائيل مركزا" مهيمنا" للتكنولوجيا المتطورة في المنطقة والوسيط الوحيد لاستيراد التقنيات من مختلف بقاع العالم‏

المتقدم /الولايات المتحدة،اليابان،أوروبا الغربية /دونما الحاجة لمخططات شرق أوسطية أوأمريكية عولمية أخرى0 فالتحدي المعلوماتي الإسرائيلي نلمسه بالحقائق والأرقام في مختلف المجالات فهي تقيم قراها الذكية على أنقاض القرى الفلسطينية /أقامت في قرية "عين المنشية" مجمعا"لإنتاج أشباه المواصلات وعناصر الالكترونيات الدقيقة /.‏

- فجوة المحتوى: حيث إن المصير المعلوماتي للأمة العربية رهن بنجاحها في إقامة صناعة محتوى عربية فاعلة قادرة على المنافسة العالمية عبر زيادة معدلات إنتاج النشر الورقي والالكتروني والإعلامي والسينمائي والبرمجيات التطبيقية ومواقع تقديم الخدمات على الانترنت وتوفير المواد الخام لصناعة المحتوى /قواعد البيانات وبنوك الصور والأرشيفات الورقية واSلالكترونية وحجم مقتنيات المكتبات التقليدية والرقمية والمتاحف وتوفيرأدوات إنتاج المحتوى وتشمل أدوات تصميم البرامج وأدوات النشر الالكتروني وآلات البحث وتوفير عناصر البنية التحتية مثل العنصر البشري في تخصصاته المختلفة وتوافر شبكات اتصالات على النطاق العريض ذات السعة العالية. -فجوة الاتصالات: وتعني الفرق بين الفئات داخل المجتمع الواحد من حيث توافر البنى التحتية/هواتف،‏

انترنت,أجهزة كمبيوتر /ويمكن إرجاعها لسببين أساسيين هما:ا- عامل الفقر حيث تبلغ كلفة النفاذ إلى الانترنت في بنغلادش إلى ما يقرب من مرتب شهر كامل لفرد من ذوي الدخل المتوسط0 - ب- عامل العزلة الجغرافية /أي المناطق النائية التي لا تشجع على الاستثمار لتوصيل الخدمة إليها والعالم العربي يشكو من تشرذم اتصالي فادح بسبب غياب سياسة قومية للاتصالات تقوم على اعتبار الاقليم العربي كيانا" اتصاليا" متسقا" ومتكاملا" ويمكننا كعرب أن نستفيد من بعض تجارب الدول في ردم فجوة الاتصالات /البرازيل, الهند، كمبوديا/0 - فجوة العقل: حيث أن العقل العربي يشكو قصورا" مزمنا" نتيجة تعقيدات كثيرة تكبله وتمنعه من الابتكار وإنتاج المعرفة وتجعله رهين السلفية والتقليد فهو عقل أسير تخصصه وينأى عن تداخل المجالات المعرفية وغير مدرب على التوجه المنظومي حيث يقع في تهويمات التعميم وهو عقل ينزع نحو الواجب والقاطع والمحدد والمحكم وينحاز إلى الثابت والسائد على حساب المتغير والمتجدد ويلح على الإجماع وينفر من التعدد والاختلاف كما أنه عقل يمتهن السالب ويخاف اللايقين ولا يستأنس بالمشوش وغير المكتمل ويستهجن غموض الشعر ولا موضوعية الفن التجريدي ولا يستوعب اللامحدود واللانهائي ولا يروق له أن يكون للفوضى علمها وللتعقد سحره وأن المعرفة ليست واقعة نهائية ونزعة امتهان السالب هذه كبلته من اقتحام المناطق المهجورة من فكره واختراق أسيجة التحريم والتجريم المقامة من حوله0 - فجوة التعلم: وتعود أسبابها إلى أسباب علمية تكنولوجية /انفجارات معرفية تؤدي لتضخم المادة التعليمية /وأسباب اقتصادية /فقر,ارتفاع تكلفة التعليم والتدريب /وأسباب سياسية /حرص الأنظمة المحلية على إبقاء التعليم الرسمي تحت سيطرتها /وأسباب اجتماعية ثقافية /عدم توافر البيئة العلمية والتكنولوجية وإنشغال مؤسسات المجتمع المدني بسد العجز الناتج عن عدم وفاء المؤسسات الرسمية بواجباتها تجاه مواطنيها وظهور النزعة النخبوية وطبقية التعليم والمعرفة وكذلك فقدان ثقة المجتمعات العربية بمؤسساتها التعليمية وتوافر البيئة الخصبة التي التي تشجع على اللاعلمية والعقل التربوي الضائع بين التبعية والبحث عن الهوية - فجوة اللغة: تواجه اللغة العربية إزاء النقلة النوعية الحادة لمجتمع المعرفة تحديا مزدوجا" حيث فرضت عليها معظم التحديات التي تشترك فيها معظم لغات العالم الأخرى وفي الوقت ذاته الذي تعاني فيه من أزمة حادة /تنظيرا" وتعجيما" وتعليما" وتوظيفا" وتوثيقا"/. وفجوة اللغة عبارة عن عدة فجوات /فجوة التنظير اللساني فجوة المعجم فجوة تعليم وتعلم اللغة وفجوة الاستخدام اللغوي وفجوة حوسبة اللغة (معالجتها آليا") وقد كشفت الإحصائيات عن ضمور في حركة الترجمة في الوطن العربي حيث إن ما يترجمه العالم العربي من كتب لا يزيد على خمس ما يترجمه بلد أوروبي صغير /كاليونان/الذي يقل عدد سكانه عن /5% من سكان الوطن العربي كما أن إجمالي ما ترجم منذ إنشاء دار الحكمة في عهد المأمون حتى الآن يوازي ما تترجمه اسبانيا مثلا" في عام واحد حاليا - فجوة اقتصاد المعرفة: إن ثنائية (قيمة المنفعة و قيمة التبادل) التي انتشرت في عصر الصناعة أضاف عليها اقتصاد المعرفة (قيمة المعلومات و المعرفة و القيمة الرمزية) حيث غدا بالإمكان قياس المعلومات باستخدام نظرية الاحتمالات و تقدير عائدها وأصبحت المعرفة عنصرا أصيلا من مكونات الإنتاج لا مجرد عنصر إضافي لرفع كفاءته كما في الاقتصاد الماركسي و القيمة الرمزية التي تعني قيمة الرموز المقدسة و القيم الثقافية /قيم الحضارة و العلم و الهوية القومية/ وقد أتت جميع الاقتصادات العربية بترتيب متأخر حسب مؤشر تنافسية النمو خاصة فيما يتعلق بمؤشر التقدم التكنولوجي. ختاما": فإن ثنائية الغنى والفقر التي استهل بها الكتاب طغت على الخاتمة أيضا" حيث تبين أن إحصائيات /البنك الدولي /حول أهمية التكنولوجيا في التنمية توضح بأن مابين /40% - 50%/من نقص الوفيات بين عامي /1960-1990/كان نتيجة للتقدم التكنولوجي لكن معظم من مدت هذه التكنولوجيا بأعمارهم هم من مواطني الدول المتقدمة ويبقى سؤال الدول الفقيرة الملح /كيف يموت فقراؤها وهم أحياء باستبعادهم تدريجيا" من سياق مجتمع المعرفة على يد الأغنياء؟/. هامش: /الفجوة الرقمية /- سلسلة عالم المعرفة العدد /318-2005م- رؤية عربية لمجتمع المعرفة - تأليف د0 نبيل علي- د0 نادية حجازي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية