تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كما يرى المعري ..

إضاءات
الثلاثاء 21-6-2016
سعد القاسم

تخلق رسوم التشكيلي السوري البارع بطرس المعري إحساساً لدى المشاهد بأن صاحبها المقيم في ألمانيا منذ سنوات طويلة، لم يغادر البتة حارته في دمشق القديمة، حيث تحفل رسومه بفيض من التفاصيل المحلية الحميمة وثيقة الصلة بالحياة اليومية لسكان الحارة،

وتترجم الروح الحقيقية لهم سواء تجلت في سلوكهم الموروث، أم في مفاهيمهم المعاصرة.‏

ليست رسوم بطرس المعري رسوماً كاريكاتورية بالمعنى التقليدي للكلمة، فهي وإن كانت تملك روحاً ساخرة لطيفة (وعميقة بآن واحد) فإنها تبدو أقرب إلى أعماله في التصوير، المتسمة أساساً باستلهامها العارف لمفاهيم الفن الفطري المحلي. خاصة أنه يستخدم فيها تقنيات غير مألوفة كثيراً في رسوم الكاريكاتور. ومنها لصق أجزاء من صورة أو نص مطبوع (كولاج). أما الحديث عن الروح الساخرة اللطيفة والعميقة معاً فهو يصب في المنحى السابق ذاته، حيث المفارقة الساخرة عنده تنهض على غنى معرفي، وعمق فكري يؤسس لوضوح في الرؤية. وهو ما يشترط بالمتلقي - بشكل ما - أن يكون على سوية ثقافية وفكرية قادرة على الحوار مع مثيلتها عند الفنان.‏

مع ردود الفعل التي أثارها لقاء الروائي «أمين معلوف» مع التلفزيون الإسرائيلي نشر المعري رسماً ساخراً يصور الروائي معلوف وهو يقول لـ (الإسرائيلي) كمن يضع شرطاً مسبقاً: إنه سيجري الحوار وإنما عليهم أن يتوقفوا عن السياسة العنصرية الاستيطانية، وتكتمل سخرية الرسام حين يجيب الصهيوني بإذعان: «خلص .. التوبة»..‏

لا شك أن ردود الفعل المستاءة من خطوة معلوف تكاد لا تذكر مقارنة بما كان يمكن أن تكون عليه لو حصلت هذه الخطوة قبل عشرين سنة فأكثر، يمكن اعتبارها ردود فعل خجولة إذا نحن قارناها بما تعرض له مثقفون انساقوا وراء دعوات التطبيع مع العدو الصهيوني التي اشترطتها اتفاقية السلام بين نظام «السادات» و«إسرائيل»، حيث خسر بعضهم حياته، وبعضهم الآخر وجوده المعنوي والأدبي. بل إن أديباً أدين لمجرد مشاركته في مؤتمر ضم مندوبين عن الكيان الصهيوني، رغم أنه انتقد أثناء مداخلته في المؤتمر عنصرية هذا الكيان بشكل موارب.‏

وبكل الأحوال فإن ردود الفعل الفاترة على لقاء أمين معلوف مع التلفزيون الإسرائيلي هي نتيجة طبيعية لما آل إليه الوضع العربي، بعد سنوات من التطبيع العلني والسري مع الكيان الغاصب، والذي وصل إلى مرحلة التعاون والتنسيق والتحالف المعلن بين هذا الكيان، وبين أكثر من طرف عربي. وأحدث مظاهره تلك المشاركة العربية المخجلة في المؤتمر الذي انعقد في فلسطين المحتلة أخيراً وأسماه بعض العرب مؤتمر«هرتسيليا»، فيما اسمه الحقيقي (غير المنقح والمهذب) هو «مؤتمر أمن إسرائيل». وإلى ما سبق فإن بعض أسباب ردود الفعل الباهتة تكمن في التراجع الثقافي المرعب الذي يضع أمين معلوف، وسواه من الأدباء والشعراء والفنانين (باستثناء الممثلين والمغنيين)، خارج الدائرة المعرفية الضيقة للقطاع الأوسع من الجمهور العربي.وحين أقول ما قلته فليس من أجل (طوشة شعواء) يتقدمها الجهلة وأشباه الأميين كما حدث في غير مناسبة سابقة، وإنما للتمييز الأمين بن النتاج الإبداعي لمعلوف، و غيره، وبين موقفه السياسي.‏

في الكلمات القليلة التي نسبها المعري إلى شخصيتي رسمه قال الكثير، وأهمه سؤال لا بد أن تثيره تلك الرؤية الساخرة:‏

- أي فائدة ترتجى من لقاء يجريه روائي عربي لامع في وسيلة إعلامية تمثل عدواً عنصرياً متغطرساً غاصباً للأرض والحقوق، لم يأبه يوماً لرأي عام عالمي، أو منطق إنساني، أو حق جليّ؟‏

يمكن أن يكون هناك أكثر من جواب يتحدث عن فائدة للكاتب قد تفتح أمامه طريق مكافأة عالمية، حيث الغرب المتحالف مع الصهيونية هو من يقرر أسماء مستحقي الجوائز الأدبية الأكثر شهرة في عالمنا..‏

ومن الممكن الحديث كثيراً عن مكاسب الكيان الصهيوني من شهادة حسن سلوك ينالها من روائي عربي مرموق..‏

أما القول إننا حين نواجه العدو على أرضه (الإعلامية) فإننا نقدم صورة حضارية عن العربي القابل للحوار، فجوابه: من أوهمكم أن صورة كهذه يمكن أن تحقق أي فائدة لقضية لا مثيل لوضوحها وعدالتها، ومع ذلك لقيت ما لقيت..‏

ثم على أي أساس يمكن أن يقوم حوار مع عدو تتمثل فيه كل شرور العنصرية، لم يكن في أهدافه يوماً سوى السطو على الجغرافيا والتاريخ، وإفشال كل محاولات التنمية في محيطه ؟‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية