الحد من خطر تنظيم داعش ومنعه من شن هجمات إرهابية واسعة في
العالم،
حتى تداول الاعلام الأميركي مضمون مذكرة مقدمة من قبل حوالي
خمسين دبلوماسياً أميركيا يطالبون الرئيس أوباما بشن ضربات عسكرية ضد
سورية لكسر التوازنات القائمة فيها وقلب الأوضاع لصالح ما يسمى المعارضةالسورية المعتدلة المدعومة من واشنطن، في جموح أميركي جديد نحو الحرب
والعدوان.
هذان التطوران الأميركيان الجديدان يعكسان حجم التخبط الأميركي إزاء
التعاطي مع ملف الأزمة في سورية من جهة وملف الحرب على الارهاب من جهة
أخرى، وعدم قدرة صانع القرار الأميركي على تبني استراتيجية واقعية تتواءم
مع التطورات الميدانية في سورية والمنطقة وحجم التغيرات الجيواستراتيجية
التي طرأت على الساحة العالمية في السنوات القليلة الماضية.
فبينما يقرّ المستوى الأمني والعسكري بصعوبة الخيارات المتاحة أمام واشنطن
تجاه المد الداعشي وخروجه عن السيطرة، ويعترف بفشل استراتيجيته بخصوص محاربة التنظيم، بالرغم من التحالف العسكري العريض الذي أقيم تحت هذه الذريعة والميزانيات التي ترصد لهذه الغاية ـ وهذا بيت القصيد ـ
نجد أن المستوى الدبلوماسي يعيش في غيبوبة تامة عن الواقع جعلته يتناسى أن خيارات التصعيد التي يدعو لها لم يعد لها فرصة حقيقية لرؤية النور بعد الحضور الروسي المتمسك
بخيارات بقاء الدولة السورية واستمرار عمل مؤسساتها بنفس الدينامية
المعهودة وضرورة الذهاب إلى الخيارات السياسية في الحل وتفادي المزيد من
الفوضى والدمار، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أن بعض العاملين
بالدبلوماسية الأميركية إما جاهلون بالسياسة والحرب وباعوا ضمائرهم لمشيخات
النفط وإما أنهم ميالون نحو المراوغة والتهرب من الالتزامات التي يتم التوصل إليها مع الجانب الروسي بخصوص الحل السياسي في سورية وطريقة تصنيف الجماعات المسلحة بين معتدل ومتطرف.
عموما، وفي كل الأحوال، لا يمكن فصل هذين التطورين المتناقضين عن الزيارة
المريبة التي يقوم بها حالياً ولي ولي عهد نظام آل سعود لواشنطن واللقاءات التي يجريها هناك، والتي تفوح منها رائحة الصفقات العفنة، ومحاولات استغلال المناخات الأميركية المتشنجة بعد اعتداء أورلاندو، وكذلك المنافسة الحامية الوطيس بين المرشحين الرئيسيين لشغل مقعد أوباما في البيت الأبيض أواخر العام الجاري.
ومع القناعة المترسخة في أذهان الكثيرين حول جهل الزائر السعودي الأرعن بالملفات التي ادعى أنه جاء لمناقشتها مع المسؤولين الأميركيين، لا يكاد يختلف اثنان في أن تركيبته الذهنية البعيدة كل البعد عن السياسة وآدابها ودهاليزها، هي مصممة على أسلوب شراء الذمم الرخيصة والضمائر الميتة في أميركا ـ
وهي كثيرة بأموال النفط الحرام التي يوظفها النظام السعودي المتهالك في شن
الحروب وتصنيع وتصدير الارهاب ونشر الفوضى الخراب في عموم المنطقة
والعالم لإطالة عمره، بدليل أنه أنشأ تحالفاً عدوانيا لتدمير اليمن وقتل وتهجير شعبه
عبر شراء الذمم وتجنيد المرتزقة والارهابيين، ولم تتوقف محاولاته لتغيير
وجهة الصراع مع الكيان الصهيوني باتجاه الجارة الشقيقة إيران، وإشعال
نيران الفتنة داخل المجتمعات الاسلامية وكل ذلك خدمة لأميركا واسرائيل اللتين تتكفلان بحمايته.
ويقيناً لا يحمل محمد بن سلمان في حقيبته سوى دفتر شيكات يتلهف الدبلوماسيون
والعسكريون والأمنيون الأميركيون والمرشحون للرئاسة وخاصة هيلاري كلينتون
لصرفها من البنوك الأميركية القريبة الممتلئة بالأرصدة السعودية
الحرام، إذ لا أسهل على السعوديين من تقديم الأموال على شراء الذمم والضمائر كما فعلت في العديد من المناسبات، وقد كان العالم بالأمس شاهداً كيف اشترت السعودية المنظمة الأممية ودفعتها لشطب اسم تحالف العدوان على
اليمن من تقرير أممي يتحدث عن انتهاكات حقوق الأطفال..؟!
المتابعون للسياسة الأميركية يعرفون كيف ساهمت واشنطن بتكبير فزاعة
داعش في الاعلام خلال السنوات الماضية حتى غدت كابوسا يؤرق العالم، وذلك
لاستغلالها في عقد صفقات السلاح والتدخل في شؤون الدول الأخرى كما
يجري حاليا في سورية والعراق واليمن وساحات أخرى، ولا شك بأن برينان الذي
يروج لانتشار الخطر الداعشي يسعى لتمويل أكبر لنشاطات وكالته
غير المشروعة حول العالم، ومن أكثر من النظام السعودي المدجج بالخوف على
مصيره جاهزية وقابلية للوقوع في هذا الفخ الأميركي..؟!
الخبث والمراوغة لا ينقصان أميركا وهي تعرف من أين تؤكل الكتف السعودية، فتارة يجري الحديث عن الحل السياسي في سورية لإغاظة السعودية الساعية للعسكرة والارهاب، وتارة تدق طبول الحرب لاستثمار الرغبة السعودية في هذا الاتجاه، وليس هناك أدهى من واشنطن في كيفية اللعب بأدواتها وحلفائها وجرهم إلى حيث تريد هي لا هم ومن ثم تركهم لمصيرهم الأسود..؟!