هل هو محض حركة جسد ترتقي وصولاً الى حرية ذاك الجسد.. أم انه يبقى ضمن اطار التشكيلات الحركية الجمالية وفقط..
هي بعض من تساؤلات يثيرها في ذهننا هذا النوع الخاص والخاص جداً من فنون المسرح الراقص, في فترة نلحظ فيها نشاطا ملموسا في هذا المجال إذ قدمت منذ فترة الفرنسية جوليا سيما عرضا باسم (زيارات) .. البريطاني اكرم خان عرض (جسور) ضمن احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008م.
أما في سورية فيبرز الفنان لاوند هاجو الحاصل على عدة جوائز عالمية, وأول سوري احتفل بيوم الرقص العالمي منذ عام 2001م, بتقديم عرض راقص سنوياً مع فرقته رماد.
الثورة التقت هاجو الذي اوضح لنا الكثير من تفاصيل الرقص المعاصر, وألقى الضوء على استفسارات عدة في هذا المجال, لاسيما ان المكتبة العربية فقيرة بهذا الاختصاص الجمالي .
علم الخطوة
يعتمد الرقص التعبيري على فن الكريوغرافيا, والذي هو بحسب ( المعجم المسرحي) فن تصميم الرقصات, وتطلق تسمية (كريوغراف) على مصمم الرقصات والمسؤول عن التنظيم العام للحركة في العرض. يوضح هاجو معنى المصطلح بدقة فيقول: (هو ان نصمم,ولكن بالمفهوم الكبير هو علم الخطوة بمعنى: ان فيه تفصيلا أكبر, وصولا لمعرفة كيفية التصميم).
كما هو سائد فإن الرقص التعبيري يقسم الى فرعين رئيسيين (كلاسيكي ومعاصر) , فكيف لنا ان نميز بينهما, وهل هناك تقسيمات اخرى. في هذا الجانب يذكر لاوند:( مدارس الرقص هي اكثر من هذا التصنيف هي الجاز والكلاسيك والبالية مودرن والمعاصر واللمون وهو نوع من انواع الرقص الحديث ..اذاً هو مقسم, أما كيف لنا ان نفرقها , فكل مدرسة لها تكنيك معين, يعني مثلا مدرسة مارتا غراهام التي أسست الرقص الحديث تعتمد على (النفس) الزائد في الجسم , اللمون يعتمد الحركات الارضية للراقص .. وهكذا الى آخر الانواع فكل مدرسة نستطيع تمييزها عن الاخرى لأن لدينا اطلاعاً كاختصاصيين, ولذلك يمكن لنا التفريق ما بين الباليه الكلاسيك,عن المودرن عن الجاز,عن المارتا غراهام ..).
-يختص لاوند هاجو بالرقص المعاصر وعنه يقول: ( المعاصر فيه حرية اكثر للجسد, بمعنى انك قادرة على استخدام مدارس الرقص الاخرى من الباليه كلاسيك الى الجاز ..وغيرها , أي يمكن ان تستخدمي كل مدراس الرقص بحرية, وتستطيعين ان تضيفي (الثيمة) الخاصة ببلدك, مثلا نحن عرب لذلك يمكن لنا ان ندخل بعض الحركات الشرقية بالرقص المعاصر).
ثورة راقصة
يرد في المعجم المسرحي انه في القرن العشرين أخذت الكوريوغرافيا بعدا جديداً مع الباليه الروسية التي جعلت من تصميم الرقصات جزءاً من تصميم اللوحة العامة للعرض وعنصراً من العناصر التي تؤدي الى تحقيق لوحة مشهدية متكاملة, خاصة وان الباليه الروسية خلصت الباليه عن شكلها الكلاسيكي المقنون بحركات نمطية وحولته الى وسيلة تعبير اكثر حرية.
بمعنى انه اصبح لدينا (معنى), بعيدا ً عن تكنيك الرقصة, وهنا يوضح لاوند ان ظهور الرقص المعاصر اقترن مع هذا الامر:( في القرن العشرين بالفعل خرجوا من كلاسيكية الرقص فالروس على سبيل المثال كانوا يقدمون بحيرة البجع وغيرها عن الباليهات العالمية, والباليه بشكل عام يعتمد طاقة وتكنيك الراقص, ولكن لا يعتمد فكرة الاحساس والمشاعر . وما حدث انه بعد الحرب العالمية الثانية تحديداً ظهر الرقص المعاصر, لأنه كان ثورة النساء..اذ أردن الحديث عن مشاعرهن, بمعنى انهن كن دون رجالهن ويعشن بشح اقتصادي وسوء معاملة وغيرها من امور تنجم عن الحرب فخرجت مجموعة من النساء وعبرن بالشارع ورقصن بحرية. فالتي كانت تضع شيئاً على رأسها نزعته, ومن كانت تلبس حذاء بقدمها خلعته ورقصت حافية. ومن هنا جاء قولهم إن اهم شيء بالرقص المعاصر علاقة قدم الراقص بالارض-فكان نوعا من انواع الحرية او رفض المرأة لواقع معين, رفضت, رقصت وعبرت عن الحالات.. فالرقص المعاصر هو ان تعبري عن حالة, لم يعد تكنيكا. وعلى العموم هناك مقولة تعبر عن الرقص المعاصر هي: إنه يحمل فكرة, وروحاً وجسداً فإذا لم يكن لدى الراقص هذه الثلاثة فهو غير قادر على الخوض في الرقص المعاصر .
إبهار أم إحساس
إذاً, يمكن لنا بالرقص المعاصر ان نعبر وان تصل الفكرة بشكل سليم, دون تكنيك في أوربا كما يذكر هاجو, لم يعودوا يسألون: كم حركة او كم دورة يمكن للراقص ان يؤدي في الهواء, وهو ما يطلق عليه اسم السيرك يقول: (للأسف لم يزل لدينا في بلدنا أناس يبهرون بهذا النوع لم ننتقل بعد من مرحلة الانبهار بالجسد الى مرحلة الاحساس به..
شخصياً لا أقدم متعة الجسد والابهار الحركي, ولذلك احياناً يتساءل البعض :هل كنت ترقص? فأقول: لا , كنت أعبر .. لأنهم لا يزالون يتصورون ان الرقص إبهار الجسد وليس هو حس الجسد).