والقاعدة تفرض نفسها إذ حينما تكون التحديات في الأوج لا بد أن تكون الاستجابة فيما بعد الحد الأدنى على الأقل وعندما يغيب هذا المعيار تكون المسألة العربية بكاملها قد دخلت في نفق مظلم ويكون المصير العربي عندها مفتوحاً على المجهول ويبدو أن قوى كثيرة في الخارج والداخل تراهن على المجهول لعلها تزج الأمة كلها في لحظة الاغتراب عن مواقعها والتناقض مع ضروراتها, إن الحوار هو الذي يفرض نفسه عاملاً اختيارياً مؤثراً لكي يكتشف العرب أهم ثلاث لحظات في حياتهم المعاصرة.
لحظة البقاء على قيد الحياة بالمعنى الحضاري والسياسي ولحظة التنبه إلى درجة الخطر القادم هذه المرة ومعه شمولية غرائبية وفي طياته خيار التدمير لعناصر وجود الأمة رغم أنها في حالة تجزئة وواقع الانقسام ولحظة ثالثة تدفع الخطر الأكبر بالخطر الأصغر وتلك قاعدة لطالما أطلقها وحاول تعميقها الرئيس الراحل حافظ الأسد, في اللحظات الثلاث سوف يصبح السؤال تساؤلاً ويتحول التساؤل إلى نسق من الاستغراب وسوف يعثر الجميع على تلك الآلية المتداولة في التاريخ والتي تؤكد أن السؤال حينما يغيب يترك المدى للاجابات المترهلة الرخوة وأن الجواب حينما يترنح كما هو حاصل سوف يقصي مواكب الأسئلة المرة وويل لأمة يغيب عنها سؤالها وجوابها, من هذه المعاني المشوبة بشرطي العقلانية والشجن يتحرك الذهن العربي الصافي نحو قمة دمشق مع نهاية شهر آذار وهي باختصار قمة الضرورات وقمة الخيارات في حدودها الدنيا وبالتأكيد فإن معدل الاستجابة لها سوف يطرح المؤشر على قدرة الأمة وهي تحس بالمأساة وتنقل المواجع والمواقف وتطرح الحوار بحثاً عن حل وإن كان في الحد الأدنى وبالتأكيد فإن ما بعد القمة الراهنة سوف يختلف عما قبلها.
لن تكون الحياة السياسية العربية مطرح تجاذبات ومصدر إطلاق الأهواء وتدبيج الحكايات التي انتهت من حركة العالم بكامله بالمعنى السياسي والتطبيقي ولهذا السبب قلنا إن القمة العشرين هي قمة الضرورات ولا يمتلك أحد أن يناقش أو أن يبدل في هذه الحقيقة الموصوفة والموقوتة, إن لدى الجميع كل الحق في طرح الموضوعات واعتماد أسلوب وجهات النظر واختيار نظام الأولويات في الهموم العربية ولكن ليس لأي طرف أن يراهن على القمة ذاتها من حيث وجودها وعدم وجودها, ولنلاحظ مسألتين لن تكونا غائبتين عن القمم السابقة لكنهما اكتسبتا خصوصية أكثر وضوحاً وأشد تأثيراً في الواقع نفسه, المسألة الأولى هي حركة اللقاء العربي عبر القمة من الواقع القائم إلى طاولة الحوار والبحث والتي لا تلغي مصادر الاختلاف ولا تتجاوز واقعية التعدد والتنوع والتناقض لكن العامل الناظم منهجياً هو أننا كأمة بل كمجموعة بشرية موجودة لا بد أن نجتمع ونتحاور دون أفكار مسبقة ومواقف جاهزة وتشنجات تتقدم على الحوار نفسه.
فالقمة هي بيئة للحوار في أعلى مستوياته وما عاد مقبولاً أو مجدياً أن ندعي بأننا نتفق أو نتوافق أولاً ثم نأتي إلى موعد القمة ومكانها لنعلن بأننا اجتمعنا ونكون كما هي القاعدة المنتشرة شعبياً والتي تقول يجتمع الزعماء العرب وهم مختلفون في كل شيء وعلى كل شيء ولكنهم يعلنون أنهم متفقون لعلنا نلاحظ في هذا الظرف أن اتجاه الحركة في الوصول إلى القمة طبيعي للغاية وضاغط للغاية من الركود إلى التفاعل ومن السكون إلى الحركة ومن الفردية إلى الجماعية ومن التناقض إلى الانسجام وإن كان في الحد الأدنى.
أما المسألة الثانية والتي تترك كل آثارها وبصماتها على قمة دمشق فإنما تتمثل بهذه الصحوة التي صارت اللازمة الأولى لكي نفطن إلى أن الخطر القادم داهم والموجة العاتية لا تأخذ التفاصيل بعين الاعتبار ولا تعترف على نسبة التفاوت أو التناقض في المواقف العربية ونحن في مركب واحد تحف به الأمواج العاتية كما قال الرئيس بشار الأسد أي إن طبيعة التحديات تضيف للعرب في هذه المرحلة عاملاً جديداً هو وحدة المصير ويعرف الجميع أن المسألة لا تتصل باعتدال أو تطرف ولا بقرب أو بعد عن المركز الامبريالي, إننا أمة مستهدفة بوجودها ذاته بثروتها ونحن أغنى منطقة في العالم وأفقر شعوب في العالم, المستهدف في الحياة العربية هو مصادر التكوين والاقتصاد والقيم والتاريخ والإسلام والمسيحية ولهذا السبب لم تعد حالات العدوان علينا مجرد حملات وغزوات بل صارت مشاريع واستراتيجيات حملها منهج كامل متكامل يؤكد أن القوى المعتدية تتطلع إلى منظومة من الأهداف الشاملة تتوقع من خلالها أن تكون هذه المرة قاضية من جهة وأبدية من جهة أخرى, هم أرادوا ذلك ومن طبيعة القانون الحي في الأمة الحية أن تفطن وتستجيب وهذا هو مصدر القوة فيما يجب أن تتجه إليه القمة العربية في دمشق, في لحظتين من تاريخنا المعاصر وعبر قمتين تحقق المثال في قمة الخرطوم وبعد النكسة في العالم 1967 قال العرب لا للتفاوض لا للصلح لا للاعتراف وفي قمة الجزائر بعد حرب تشرين في العام 1973 قال العالم كله للعرب لن نتجاهلكم بعد الآن, هل نذكر وهل نعتبر?.