فالعمل الفني بحسب هذه الفرضية لم يكن تمثيلا لشيء واقعي مادي، وانما قدّم بدلالات رمزية وإشارية. غير أن تلك الفرضية سقطت منذ عقود، وأصبحت اليوم غير مقبولة تكذبها سلسلة كاملة من الشواهد أو الرسوم المثبتة على جدران بعض الكهوف (هناك الآن حوالي 90 كهفاً معروفاً برسوم جدارية) وترتفع دقة الرسم الواقعي في بعض الكهوف إلى حد الأداء المعجز، وتلك الشواهد الحية هي التي أدت إلى قلب الفرضية السابقة للفن البدائي، رأساً على عقب على ضوء الظواهر الفنية المكتشفة. وبمرور عدة آلاف من السنين التي قطعها الإنسان الحجري،تحولت الصورة الواقعية بالتدريج إلى لغة إشارية أو رمزية،وبعبارة أوضح نقول: إن الرسم الواقعي ظهر وبخلاف ماهو شائع قبل الأداء التجريدي بآلاف السنين.
ولقد ظهرت ثنائية الروح والمادة في الفن الحجري المتأخر في جنوب غرب آسيا قبل عشرة آلاف سنة، ثم تطورت باستمرار عبر حضارات وادي الرافدين - سورية القديمة والنيل ثم عبر اليونان وروما وصولاً إلى مدن أوروبية أخرى، وكانت تكيف عمق النظرة الروحية بأشكال مختلفة استمرت حتى بول «سيزان» الأب الروحي لكلّ المدارس الفنية الحديثة.، فالقوى الروحية التي كانت تسكن الأشياء طردت منها على يد سيزان، حين ركز في لوحاته منذ أواخر القرن التاسع عشر لإظهار مادية وهندسية الأشياء (فاتحاً الباب على مصراعيه أمام بابلو بيكاسو وجورج براك لابتكار الأسلوب التكعيبي في الرسم). وهكذا نستطيع أن نفهم كيف مهد «سيزان» لولادة الفن الحديث وخلق الأساس المتين،الذي تم تحطيم الشكل عليه على يد « بيكاسو» عام 1907 عبر لوحته الشهيرة فتيات افنيون.
facebook.com/adib.makhzoum