الذي افتتح بحضور حشد من الفنانين والمتابعين ويستمر لغاية 25 آذار وهو يتضمن مجموعة مختارة من لوحات ادونيس وايتيل عدنان وسمير الصايغ وفاتح المدرس تظهر الدلالات الكتابية المقروءة في سياق التشكيل التعبيري والتجريدي . ولإيضاح العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الفن التشكيلي والكتابة الشعرية تستضيف الصالة اليوم الأحد 2 آذار الساعة السابعة مساء الشاعر ادونيس والفنان والناقد التشكيلي اللبناني سمير الصايغ في لقاء مفتوح.
فكرة المعرض اعطتني فسحة جديدة لاستشراف جوهر الكتابة الشعرية التي تتناول المعارض الفنية التشكيلية.
فالتركيز على النص التشكيلي الشعري, كان ولا يزال في مقدمة اهتماماتي, والنص النقدي الذي اكتبه في سياق تحليل لوحات الفنانين, لا يشكل اغترابا عن اللوحة التشكيلية والدليل على ذلك انني في احيان كثيرة استهل مقالاتي بلغة شعرية قريبة من مشاعر واحاسيس الناس, ثم عندما اريد البحث في الجوانب الفنية ابدأ بالقول (من الناحية التشكيلية او على الصعيد التشكيلي والتقني ) وبذلك فأنا افصل وافرق في مقالاتي بين اللغة التشكيلية النقدية وبين اللغة الادبية والشعرية.
واذا كانت كتابة مقدمة النص التشكيلي التحليلي بأسلوب قصيدة النثر تهمة, فأنا سعيد بهذه التهمة, لأن غاية ما اطمح اليه في كتاباتي- وا لمتابعون يعرفون ذلك - هو ايصال اللوحة الى الناس بأسلوب الاغراء الشعري, المتداخل مع مفردات النص التشكيلي, فالبحث عن رموز وتحليلات تشكيلية بهذه الطريقة يخفف من حدود الصدمة التي يتلقاها القارئ, ويجعل النص النقدي التحليلي قابلاً للدخول الى قلبه ومشاعره.
وأنا على هذا حين اكتب عن تجربة فنان تشكيلي, أبذل جهدين احدهما أساسي يكمن في ايجاد المدلول التشكيلي والثاني جهد اضطراري, لكنه بالنسبة لي جهد اساسي ايضا هو تقديم الجانب الفني التشكيلي والجمالي والتقني بأسلوب الصياغة الانسيابية الشاعرية, البعيدة كل البعد عن قصيدة النثر الادبي. وعندما لا أجد العبارة التشكيلية الشاعرية المناسبة, ألجأ الى اللغة التشكيلية الخالصة, وهذه الطريقة وكما ارى, تفقد المقال التحليلي النقدي كثيرا من لمعته وجاذبيته. جذور العلاقة المتبادلة بين اللوحة والكلمة تمتد الى عمق حضارتنا العربية على مر العصور القديمة والحديثة وعلى سبيل المثال حين بلغ التصوير العربي ذروته في فن يحيى الواسطي كانت هذه الرسومات مرافقة لمخطوطات مقامات الحريري المحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس برسومها البالغ عددها تسعا وتسعين تصويرة من أهم الرسوم التي انجزها الواسطي سنة 1237 م في بغداد وقد كان العنصر العربي سمة بارزة فيها .
وفي الغرب الاوروبي تبدو العلاقة بين الشعر والتشكيل واضحة, بحيث يمكننا العودة الى ما كتبه بودلير في الفن التشكيلي وما كتبه ابولينير , وما كتبه ايضا اراغون ويذكر ان العديد من الفنانين المعاصرين كتبوا الشعر, وعلى سبيل المثال رسائل فان غوغ الى اخيه ثيو حملت المزيد من الدلالات الشعرية المعبرة عن حالات انسانية سوداوية ورؤى تشاؤمية, تماما كلوحاته الصاخبة بالحركات اللونية الانفعالية القادمة من عمق انفجارات الداخل. كذلك عبر بيكاسو عن جدلية العلاقة بين اللوحة والقصيدة, في العديد من قصائده التي افردت لها ا لصحافة العالمية ملفات كاملة.
ويمكننا التوقف طويلا امام تأثر جبران خليل جبران بفن وليام بليك , الذي غذى شاعريته الفنية وشكل القدرة الحقيقية لانطلاقته كشاعر وفنان تشكيلي.
فقد كان جبران منطلقا في كتاباته ورسوماته في عالم الرومانسية والشاعرية والروحية الصوفية حتى ان الموديل (روزينا) حين طلبت من جبران بأي جلسة يفضل ان يرسمها .. اجابها ( كأنك سابحة في الفضاء, محمولة على اذرع الملائكة الى السماء) . وهكذا يمكن استشفاف هواجس جبران التصويرية, المطابقة لكتاباته الشعرية التي تدمج الرمز بالحلم, وبتموجات الحالة الداخلية والعاطفية والانفعالية.
ولقد ساهمت كتابات الشاعر صلاح ستيتية في زيادة انفتاح الفن التشكيلي اللبناني على المدارس الفنية المتداولة في باريس, كما ساهم في تعزيز العلاقة القائمة بين الشعر والفن التشكيلي من خلال عمله الصحافي في الستينات ومطلع السبعينات حين اسس الشاعر يوسف الخال مجلة شعر في العام 1957 حصل تقارب كبير بين الفنانين والشعراء, بعد ان افتتحت زوجته الفنانة التشكيلية هيلين الخال أول صالة عرض للفن التشكيلي في بيروت, حيث استقطبت صالتها مجموعة واسعة من كبار الفنانين العرب, من امثال: فائق حسن وبول غيراغوسيان وضياء العزاوي وفاتح المدرس وامين الباشا وغيرهم .ولقد برز التفاعل بين الفنانين والشعراء من خلال المقالات التي كتبها الشعراء حول الفن التشكيلي ونشرتها مجلة شعر .
وقائمة الشعراء الذين يكتبون بين الحين والآخر, في الفن التشكيلي طويلة ولا يمكن حصرها ويمكن اعتبار الشاعر ادونيس من رواد العربية في الكتابة التي تناولت بالرصد بعض التجارب الفنية التشكيلية, التي عرفتها بيروت ودمشق وباريس ومدن عربية وأوروبية اخرى, حيث لعبت كتاباته دوراً هاماً وطليعياً في تحريض العديد من الفنانين لولوج تيارات الحداثة التشكيلية, وذلك لأن ادونيس في كتاباته الكثيرة عن الفن التشكيلي, كان سباقا في فتح النص البصري, على المزيد من الاجتهاد والتأويل والتنظير, ولا سيما في مرحلة الازدهار الثقافي في الستينات والسبعينات حتى ان لادونيس العديد من اللوحات المنشورة في مجال الرسم العفوي, وصياغة الاشكال المختصرة والمبسطة الى حدود التجريد التعبيري.