نقول رغم ذلك فإن الولايات المتحدة لا تريد سماع سوى كلمة إدانة ضد إيران, لذا فقد تعالت أصوات المحافظين الجدد في واشنطن, في حملة شعواء تستهدف مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي, وذلك بهدف عزله من منصبه بالتحالف مع دول غربية, والسعي لتطويق إيران واتخاذ إجراءات عقابية جديدة ضدها في مجلس الأمن, وحتى السير في مجازفة عدوانية بمعزل عن تقارير الوكالة الدولية التي قدمها البرادعي, مؤكداً فيها أن الأنشطة النووية الإيرانية تتوافق مع المعايير الدولية لامتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية وتتماشى مع معاهدة (حظر الانتشار النووي) خصوصاً المادة الرابعة منها.
نزاهة البرادعي وشفافيته ودوره البارز في قيادة استقلالية عمل الوكالة التي تؤكد دوماً حق الدول في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية بما لا يتعارض مع (معاهدة الحظر).
هذه النزاهة والشفافية تثيران حفيظة اللوبي الصهيوني الذي يسعى لتحضير مسرح الأحداث لمهاجمة إيران, وهاهو رئيس وزراء (إسرائيل) ايهود اولمرت يقول من طوكيو: إن إيران وكوريا الشمالية تشكلان (خطراً) على آسيا والشرق الأوسط.
أما في واشنطن فيتعالى الصراخ من قبل عصابة ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي للمطالبة بعزل البرادعي من منصبه, فقد انتقدت دانيال بلتيكا نائبة رئيس معهد اميركان انتربرايز -والمعروفة بتوجهاتها اليمينية- البرادعي, متهمة إياه بتنفيذ مهمة وضعها لنفسه وهي -حسب ادعائها عرقلة مجهودات واشنطن للحد من برنامج إيران النووي, والهدف من هذه الحملات واضح كعين الشمس في رابعة النهار.
وهو تطويق إيران وعزلها تمهيداً لاستصدار قرارات في مجلس الأمن تجيز استخدام القوة ضدها, ودائماً طبعاً بقيادة أميركا وقواتها المنتشرة في أرجاء العالم.
سكوت ريتر كبير مفتشي الأسلحة في العراق والتابع للأمم المتحدة منذ العام 1991 لغاية العام 1998 يؤكد أن (لا دور للحقائق في لعبة المجازفة), وعندما يجيب عن سؤال طرحه في كتابه: ما الذي تريده أميركا في الخليج حقاً.
ريتر, الأميركي الجنسية يكتب ويقول بثقة الخبير العارف أن بلاده, ومن خلف ذريعة أسلحة الدمار الشامل, أرادت تغيير النظام العراقي, رغم خلو العراق من الأسلحة النووية والجرثومية وتفكيك الدولة العراقية لإطلاق الفوضى من عقالها, وهو ما حصل فعلاً.
فصار العراق نهباً للفوضى الكارثية ونقطة انطلاق لتشكيل جديد للمنطقة, يتلاءم وخطة الهيمنة على العالم بعد أن أتاح تفكك الاتحاد السوفييتي هذه الفرصة, وجاءت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 لتهيء فرصة أخرى للمحافظين الجدد لتنفيذ مخططهم الجهنمي للسيطرة على كوكب الأرض.
إذاً, فالاحتكارات الأميركية بشركاتها العابرة للقارات وبتناغم مع الأهداف الإسرائيلية, لن تكتفي بالعراق بل تسعى لمهاجمة إيران, وبالتالي القضاء على كل من يقاوم المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.
ريتر في كتابه (استهداف إيران: حقيقة الخطط التي يعدها البيت الأبيض لتغيير النظام), يؤكد أن الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأميركية, لهما العديد من المفتشين العملاء الذين يلعبون دوراً استخباراتياً, ويزودان الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمعلومات مضللة عن نشاط إيران النووي.
ورغم تأكيد إيران على الطابع السلمي لبرنامجها النووي, ورغم تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد أن البرنامج النووي الإيراني سلمي.
نقول رغم ذلك فإن واشنطن وتل أبيب تنفخان في نار الحرب لتأليب د ول الغرب, وحتى دول من الصين وروسيا ضد إيران, إن ما يقوله ريتر في كتابه, وهو بحق شهادة دامغة تصاغ من موقف العارف والشاهد, يؤكد من جديد استفحال العدوانية الأميركية المتحالفة مع الكيان الصهيوني العدواني بطبيعته.
لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن الكارثة ستحل بالجميع في حال إقدام واشنطن أو تل أبيب أو كليهما معاً على غزو إيران ومهاجمتها لأنه وكما يؤكد فإن الغزو الأميركي لإيران سيفشل حتماً الهدف الآن أمام شعوب العالم واضح للعيان, وهو لجم قوى العدوان, أفلا يكفي الأميركيين المأساة العراقية التي صنعها البيت الأبيض, ألا يكفي العرب ما يشهدونه من شرذمة وانقسام ودمار وخراب في فلسطين والعراق والسودان والصومال, أما الصين وروسيا, فإن محاولة تطويقهما من قبل أميركا فهي متواصلة, ولا يمكن ولا ينبغي أن تسمحا للعدوانية والهيمنة بالاستمرار في تحجيم مكانتهما الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية على الساحة الدولية, لأن مصالحهما كثيرة ومتنوعة مع إيران.
المطلوب تعاون دولي فعال, حتى تتوقف نزعات الهيمنة عند حدها, ولا تبقى منفلتة تدمر الحضارة البشرية, كما هو الواقع الراهن المأساوي, إن عالماً متعدد الأقطاب ينمو من رحم الأحداث العالمية الحالية والمطلوب أيضاً تكاتف الجهود العالمية لانضاج ظروف ولادته.