قبل أن يتم شطبه ووقف تداوله . غير أن تغيير الاتجاه يكاد ينطبق على السياسة الاسرائيلية تجاه قطاع غزة , و بعدما عجزت ( اسرائيل ) عن تغيير الاتجاه في لبنان و المنطقة تحاول أن تفعل ذلك في قطاع غزة .
( اسرائيل . تريد ) شن حرب استنزاف مستمرة ضد الفلسطينيين . و توحي هذه السياسة أن ( اسرائيل ) فقدت أعصابها , على مستوى الجنرالات, و على مستوى السياسيين , و في مقدمتهم أيهود اولمرت نفسه الذي أدلى بتصريح غريب يعكس حالته النفسية : قال فيه إنه سيتصرف بطريقة أن ( رب البيت قدجن ) .
من أين يأتي هذا الجنون الاسرائيلي ?! من الاعتقاد بأن الأمور كانت تسير في السنتين الماضيتين لمصلحتها كلياً . فهي ألغت من جدول أعمالها نهج التفاوض مع الفلسطينيين , و ذهبت مع أرييل شارون نحو مخطط الانسحاب المنفرد من غزة , و نالت على ذلك ثناء واشنطن , و كأفاتها واشنطن بإصدار ( وعد بوش ) الذي أيد كل مطالبها المتعلقة بقضايا التفاوض النهائي و بينت بناء على ذلك خطة اولمرت للانسحاب المنفرد من الضفة الغربية , و رسم حدود ( اسرائيل ) على تخوم الجدار العازل , و ما هي إلا فترة من الانتظار للظرف الدولي المناسب حتى تندفع نحو تنفيذ هذه الخطة و فرضها على العالم كله .
لهذا كانت ( اسرائيل ) منتشية , و لكنها واجهت فجأة تطورات الحلم إلى كابوس . نجحت حركة حماس في الانتخابات , و أدركت (اسرائيل ) فوراً , أن هذا النجاح يعرقل خططها , و بخاصة في ما يتعلق بالسيطرة على الفلسطينيين و تركيعهم . أما الفلسطينيون الغارقون في أزمات الجوع و الفوضى الأمنية و المنازعات السياسية فقد بدوا للاسرائيلين و كأنهم كمن لا قيمة له . و جموع تنشغل بتدبير الطعام و لا تستطيع أن تنشغل بأي أمر آخر . و لكن عملية عسكرية جاءت فجأة هزت شباك حارس المرمى الاسرائيلي , و انهزت معها مكانة الجيش الاسرائيلي و كرامته .. و المهم في هذه العملية العسكرية أنها حصيل تخطيط و حفر للخنادق , لا يتم إلا على امتداد ستة أشهر أو أكثر , أي أن الاعداد لهذه العملية كان يتم في الوقت الذي كان الاسرائيليون ينظرون فيه الى الفلسطينيين على أنهم كم مهمل, و كان هذا بحد ذاته صفعة للجنرالات الذين يعتقدون أن قبضاتهم تمسك بالعالم و تتحكم به . و لذلك فإن » اسرائيل ) , تعيش الآن حالة نفسية ترى فيها أن الأمور قد تحولت إلى غير مصلحتها . كيف تصرفت » اسرائيل ) على الأرض ?
لقد كان الشعار المعلن تحرير الجندي الأسير و اعادته سالماً , تحريره بواسطة القوة الاسرائيلية و حدها . حشدت حول قطاع غزة عدداً من الدبابات و المدافع يستطيع خوض معركة العلمين الثانية , و هي تدرك كما أدرك غيرها , أن حشد هذه القوة ليس للاستعمال و الاجتياح , بل للتخويف فقط , و لكن الفلسطينيين لم يخافوا . ثم أقدمت على ضرب البنى التحتية , ضرب محطة الكهرباء , ووقف امدادات الطاقة , و منع عبور الطعام و الأدوية . لكن الضغط الدولي استنكر ذلك فتراجعت عنه . ثم أقدمت على اختطاف الوزراء و النواب , فنزلت إلى أدنى المستويات , إلى مستوى تنظيم مسلح يواجه تنظيماً مسلحاً آخر و يتبع وسائله نفسها . باستثناء أن التنظيم الفلسطيني خطف جندياً من داخل معسكر, بينما خطف التنظيم الاسرائيلي نواباً منتخبين من داخل منازلهم, وهو أمر لن يكون مقبولاً في الوسط الدولي. وكانت الحصيلة أن اتباع هذه الأساليب أظهر حالة من التردد والتخبط ومن العجز عن اتخاذ القرار الحاسم, لان القرار الحاسم سيعني مقتل الجندي , وهو ما سينعكس سلباً على الوضع الداخلي في »اسرائيل) ويظهرها عاجزة رغم هذه القوة التي تهدد بها. هنا دخل العامل الاميركي على الخط, وبدأ تحويل المعركة من معركة (استعادة الجندي الأسير) إلى معركة تهديد لحركة حماس وسورية. طلبت أميركا أن يتم تجاوز قضية الجندي من أجل وضع القضية في إطار المخطط الاميركي الكبير المتجه نحو إيران والعراق ولبنان. ولذلك لابد من توجيه الاتهام نحو سورية واعتبارها مسؤولة عن الإرهاب في الشرق الأوسط. ولابد من توجيه الاتهام نحو حماس الخارج ,لأن هذا »الخارج) هو جزء من محور الشر الذي تحاربه الادارة الاميركية.
هنا بدأنا نسمع عن أهداف اسرائيلية جديدة: النواب والوزراء المحتجزون لن يفرج عنهم بل سيحاكمون بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي , وربما سيتم طردهم مرة أخرى إلى مرج الزهور في لبنان , وهو المرج الذي أبعد إليه هؤلاء الأشخاص أنفسهم عام1994(أيام اسحق رابين) وعادوا منه ليصبحوا قيادات تتقدم الصفوف.
يزعمون أن سورية تتحمل المسؤولية الأولى عن كل ما يجري, فهي الدولة التي تحتضن قيادات الخارج, وعليها أن تأمر بطردها ,وإذا لم تفعل فقد تواجه غارات جوية إسرائيلية وعمليات اغتيال في قلب عاصمتها. وحماس في الداخل يجب أن تضرب ,عبر الاغتيالات,الاعتقال, تدمير المقرات(رئاسة الوزراء ,الداخلية , المدارس..وغيرها) , ولابد أن تتم مصادرة أموال حماس, ليس بمنع وصول الأموال إليها , بل باقتحام البنوك ومصادرة أموال الحركة. و هكذا تكون اللصوصية ,حتى اللصوصية, قد أدرجت كبند من بنود ضرب حركة حماس.
هل توجد حملة ترويع أكثر من هذه الحملة.
ولكن حملة الترويع هذه قد تنتهي إلى الفشل , ليس استنتاجاً منا, بل كاستنتاج اسرائيلي. ومن حيث لايدرك اختصر وزير الحرب الاسرائيلي ايهود باراك الصورة, وفي ظل ما يشاع عن غياب التخطيط والتنظيم داخل القيادة الاسرائيلية,. فإن ما يقوم به جيش الاحتلال يؤدي عملياً إلى التصعيد وصولاً إلى الاجتياح الكامل, رغم أن هذا الأمر استراتيجياً وحتى سياسياً وحزبياً , سيؤدي إلى ضررشديد لإسرائيل كما للقيادات الحاكمة والمسيطرة على القرار وسيؤذي السياسات والمسارات الاقليمية والدولية الهادفة إلى تهدئة الوضع بعد حرب لبنان, ووحدها المقاومة الفلسطينية تبدو مستعدة وجاهزة كما ينبغي لأي مغامرة أو عدوان اسرائيلي جديد.