والقائد السياسي لتستنتج بعدها أن هذه النظريات ركزت على مفهومين للقيادة: الأول قال بنظرية الرجل العظيم حيث يكون الإنسان قائداً نتيجة عوامل وصفات شخصية تؤهله لتبوّء مركز القيادة في مجتمعه، بينما قال المفهوم الثاني بنظرية الحالة وفيها يظهر القائد بفعل أحداث تفرض إيجاد شخص قادر على معالجتها.
ولما كان موضوع البحث يتناول قيادة الحاج أمين الحسيني في فلسطين خلال الانتداب البريطاني إضافة إلى استمرار زعامته على الأقل بعد النكبة فلا بد من الإجابة عن التساؤل الأبرز ألا وهو: إلى أي نوع من القيادات انتمى الحسيني هل كان قائداً بحسب نظرية الرجل العظيم التي تركز فقط على الشخص الذي يفرض نفسه قائداً بفعل صفات معينة أم كان زعيماً بفعل نظرية الحالة أي فرضته الأحداث التي تصاعدت في فلسطين عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وبداية الحكم البريطاني؟
من خلال دراستها المستفيضة وجدت أن قيادة الحاج أمين الحسيني من غير الممكن إخضاعها لنظرية واحدة من نظريات القيادة فحسب إذ إن ظروف المرحلة التي مرت بها فلسطين وطبيعة المجتمع الفلسطيني وخصائصه تجعل عوامل عدة تتشابك في عملية القيادة السياسية في بلد انتقل من حكم عثماني حمل طابع الدولة الإسلامية وشمل معظم المنطقة العربية إلى حكم عسكري بريطاني تبعه الاستيطان الصهيوني وتطبيق صك الانتداب تناولت الأطروحة قيادة الحسيني من خلال محاور ثلاثة:
- مراحل قيادته- أسلوب قيادته- تأثير هذه القيادة في مسار القضية الفلسطينية.
المرحلة الأولى: تمثلت في العامل الديني الذي ساهم في تكوين قيادة الحاج أمين الحسيني فهو سليل الأسرة الهاشمية لهذا كانت عائلة الحسيني من أكبر العائلات وأهمها، وخاصة أن عدداً من أبنائها تسلم منصب الافتاء على مدى سنوات في أيام الحكم العثماني حتى وصل المنصب إلى الحاج أمين الحسيني عام 1921 و بما أن الافتاء كان أكبر المناصب الدينية في فلسطين كان من الطبيعي أيضاً أن ينظر الناس إلى المفتي بوصفه زعيماً دينياً وسياسياً للشعب الفلسطيني، وقد كانت الانجازات الكبيرة التي حققها من خلال منصبي الافتاء ورئاسة المجلس الإسلامي الأعلى كفيلة بتأمين الدعم الشعبي الواسع لزعامته، أما المرحلة الثانية فكانت ثورة 1936 التي شكلت عاملاً فاصلاً وحاسماً في خيارات المفتي السياسية والوطنية، حيث تحول من الرجل الهادئ والداعي إلى مهادنة الانتداب على أمل الحصول على مكاسب إلى قائد آثر اللحاق بركب الثورة التي قامت في منتصف نيسان، وكان ثمن هذا التحول اضطراره إلى مغادرة فلسطين هرباً من البريطانيين، حيث قضى حوالي سبع سنوات أي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية قائداً لحركة وطنية من خارج أرض فلسطين متنقلاً بين الدول العربية والأجنبية.
أما الوجه الثاني لهذه المرحلة فكان هو انضمام المفتي إلى دول المحور في حربها ضد الحلفاء، لكن عواقب هذا الاختيار كانت وخيمة إذ لم تجعله في خانة العداء للبريطانيين وباقي الحلفاء فحسب بل أفقدته أيضاً تأييد معظم الحكومات العربية حينها والتي كانت تدور في فلك الحلفاء ورغم الجدل بين مؤيد ومعارض لخطوة الحاج أمين هذه، إلا أن الحقائق أثبتت أنه كان أمام خيارين فإما أن يحاول فتح الحوار مجدداً مع البريطانيين وهو ما صار مستبعداً بعد كل الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية وإما فتح جبهة جديدة مع الألمان وهم أعداء اليهود والبريطانيين، فكان أن التقت المصالح لكن النتائج لا تعني بالضرورة خطأ قيادياً في حالة الحاج أمين الحسيني.
المرحلة الثالثة: طغت عليها صفة التراجع إذ شهدت تراجعاً في التأييد العربي لقيادة الحاج أمين الحسيني بعد هزيمة المحور في الحرب وبعد أن كان يقصد الدول العربية لشراء الأسلحة والامدادات بات يعمل سراً لتهريب كميات من الأسلحة إلى داخل فلسطين تحسباً لما قد يطرأ هناك، وكانت السنوات بين عامي 1946 و1948 هي السنوات العجاف في قيادة الحاج أمين الحسيني فقد صدر قرار التقسيم ولم تستطع الدول العربية منعه واندلعت الحرب في فلسطين والحاج أمين بالكاد يستطيع التحرك.
المحور الثاني من الأطروحة تعرض لمسألة السلوك القيادي للحاج أمين الحسيني، فقد دأب المعارضون على اتهامه بالتفرد وعدم الاستماع أو الأخذ برأي الآخرين وبالتالي تعمد السيطرة على القرار الفلسطيني تحت اسم قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية بينما كان ينسب إليه طرف آخر صفة الحذر الشديد والتكتم في تعامله مع الآخرين وهي صفة تعتبر في مرتبة البراعة بالنسبة إلى القائد السياسي.
أما المحور الثالث فيتناول أثر الحاج أمين الحسيني في قضية فلسطين يمكن القول إن الإنجاز الأكبر للحسيني هو نقل القضية من المحيط العربي إلىالمحيط الإسلامي وقد حرص على إرسال الوفود إلى مختلف دول العالم على الدوام لشرح هذه القضية أمام شعوب هذه الدول.
وتخلص صاحبة الأطروحة الدكتورة سناء حمودي إلى القول: كان الحاج أمين الحسيني على الرغم من الأخطاء السياسية التي وقع فيها من القادة القلة في عالمنا العربي والإسلامي حظي باحترام الشعوب وتقديرها في حياته وبعد مماته.