تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من أعلام التنوير...دحيـــــة الكلبـــــي

دين ودنيا
الجمعة 13-2-2009م
كان أجمل الناس وجهاً، وقد اشتهر جماله وأصبح مضرب المثل، ويقال بأنه كان إذا مر بدروب المدينة لم تبق ممصر إلا خرجت تنظر إليه لفرط جماله!!

أما شهرته فيما آتاه الله من حسن فإنها ترجع بشكل مباشر إلى إخبار النبي الكريم أن جبريل الأمين كان يأتيه على صورة دحية!!‏

ولكن مكانه في التاريخ ارتبط بقرية المزة من أعمال دمشق، حتى صار يعرف بها وتعرف به، فيقال دحية مزة، ومزة دحية، والمزة اليوم حي من أحياء دمشق، وفيها قبر دحية بن خليفة الكلبي بقبته الخضراء أحد أبرز معالم هذا الحي العريق.‏

فمن هو دحية الكلبي؟‏

  ‏

ولد دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن أمرئ القيس بن الخزرج بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف الكلبي القضاعي في بني قضاعة من العرب، وتميز بأخلاق الملوك، واشتهرت شمائله كأمير عربي فارس مغامر.‏

حين بعث النبي  وجد دحية نفسه في السابقين إلى الإيمان والتصديق بالرسالة، فقد كان أميراً عربياً من بني كلب وكانت الآمال تفتح بين يديه، ولم يتردد أبداً أن مطامحه وآماله كانت تجتمع عند النبي الكريم ، وقد بادر إلى الإسلام حين علم بهجرة النبي  وأسلم قبل بدر ولكنه لم يشهدها.‏

وكأمير عربي كان رسول الله يمنحه مكاناً دافئاً في قربه ومكانته، وهو ما التزمه رسول الله  بقوله: أنزلوا الناس منازلهم.‏

واشتهر دحية بمشاركاته في رحلة الشتاء والصيف وقوافله التي كانت فيها، واشتهر بما كان يهديه للنبي  من فاكهة الشام وخاصة ما كان يدخر منها كاللوز والفستق والجوز والكعك، وقال دحية أهديت رسول الله  جبة صوف وخفين فلبسهما حتى تخرقا.‏

وفي يوم خيبر وقعت جويرية بنت الحارث في سهم دحية فأهداها للنبي ، وتزوجها رسول الله وكان زواجه منها عظيم البركة على الناس حيث بادر الأصحاب إلى إطلاق سباياهم حباً بالنبي  وإحساناً في أحمائه من أهل خيبر، فما عرفت هدية أكرم على أهلها من هدية دحية لرسول الله وما أنعم به من إحسان على أهل خيبر.‏

وقد أكرم النبي الكريم دحية حين زوجه من درة بنت أبي لهب بنت عم رسول الله، وكانت امرأة جميلة وضيئة هاجرت بعد موت والديها وإخوتها، فآذاها الناس بما يذكرونه عن أبيها، فانتصر لها رسول الله في المسجد وقال ألا كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، وهذه درة بنت عمي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.‏

ثم إن النبي الكريم تخير لها دحية بن خليفة وعرض عليه الزواج منها وأصدقها بنفسه حباً وكرامة، ونال دحية شرف مصاهرة النبي الكريم.‏

ولكن أهم موقف سجل لدحية رضي الله عنه أنه أول من حمل رسالة النبي  إلى هرقل والي الرومان على سورية، وكان اختيار النبي الكريم لدحية بن خليفة غاية في الحكمة، فقد كانت الشام تعج بالرومان، وكان من المناسب أن يرسل إليهم من جزيرة العرب من يعكس الصورة الحضارية للإسلام وقد كان ذلك في شخص دحية بن خليفة الكلبي.‏

حين حمل الكتاب إلى الشام، تصرف كأمير محنك، وتخير من أصحابه من يرافقه في هذه المهمة ليلقي على اللقاء طابعاً ندياً، وهكذا كان، وتمكن دحية من تحقيق هدفه.‏

كان في كتاب النبي  لهرقل عظيم الروم: من محمد رسول الله إلى هرقل صاحب الروم، أما بعد أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين.‏

ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون‏

قال دحية، فلقيت أول ما لقيت من الروم ابن أخ لهرقل أحمر أزرق قد نخر، فغضب من الكتاب وقال لهرقل: ألا ترى أنه بدأ بنفسه ولم يبدأ بك؟ وأوغر صدر هرقل على الرسالة والرسول، وقال: لم لم يكتب ويبدأ بك؟! لا تقرأ كتابه اليوم، فقال لهم اخرجوا عني، ودعا الأسقف وكانوا يصدرون عن رأيه، فلما قرئ عليه الكتاب واستمع إلى دحية وشرح له رسالة النبي الكريم، قال هو والله رسول الله الذي بشرنا به عيسى وموسى قال فأي شيء ترى قال أرى أن نتبعه، قال هرقل وأنا أعلم ما تقول ولكن لا أستطيع أن أتبعه يذهب ملكي ويقتلني الروم.‏

كان دحية حريصاً أن يتم فتح الشام صلحاً عن طريق المفاوضة مع هرقل، ولكن الروم حزموا أمرهم وأصروا على المضي في احتلالهم لسورية، وقطع روابطها مع الأمة العربية، وفرض النظم الرومية واللغة الرومية على الناس، وتوقفت المفاوضات، وبدأ الروم يخططون للإغارة على المدينة ووصلت جيوشهم إلى تبوك، وخرج النبي نفسه للقائهم، وحين مات النبي الكريم كان حديث الناس أن بني الأصفر يخططون للإغارة على الشام، وكانوا قد اتخذوا فيها أعواناً، ولذلك لم يتوان أبو بكر في إرسال جيش أسامة إلى الشام في رسالة واضحة أن الدولة الإسلامية الناشئة لن تتردد في الدفاع عن أرضها ووحدتها، وبعد شهور كان جيش الفتح قد تم إعداده بقيادة خالد بن الوليد، ووجد دحية نفسه تحت لواء خالد على رأس كردوس من كراديس الفتح في معركة اليرموك، التي قتحت الطريق لفتح دمشق.‏

بعد فتح دمشق تخير دحية بستاناً جميلاً في قرية المزة غربي دمشق، وكان له دور كبير في تنظيم الري للمزة عبر شق قناة المزاوي من بردى ضمن مشروع طموح نفذه الصحابة لري أرض الغوطة في دمشق، واتخذ لنفسه داراً سرعان ما أصبحت محج الزائرين للشام، وكان يحدث فيها عن النبي  ويعلم من هديه وحكمته.‏

واشتهر عن دحية التيسير في الفقه والنظر في مقاصد الشريعة، وقد كان منزله في المزة بدمشق محجاً للقاصدين من الناس لمعرفة هدي النبي ، وكان ينفرد عن الصحابة والتابعين بفتواه، واشتهر عنه القول بجمع الصلوات وقصرها لدى الخروج من المنزل، وأخرج أبو داود عن منصور الكلبي أن دحية خرج يوماً مع نفر من أصحابه من المزة إلى قرية عقربا على مسافة خمسة أميال من المزة فأفطر وجمع وقصر فمن أصحابه من اتبعه في ذلك ومنهم من أتم صلاته، فقال دحية ما كنت أظن أنني سأدرك هذا قوم يرغبون عن سنة رسول الله!!‏

وكان لفتاوى دحية وعلمه أثر كبير في الشام، حتى عرفت بلدة المزة باسم دحية، ولا تقرؤها في كتب الأدب والتاريخ إلا مزة دحية، وقبره اليوم في حي المزة مزار معروف، كما أن ذريته قد انتشروا في البقاع من أعمال لبنان، ولا يعرف له من زوجته درة أي عقب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية