تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عقوق الوالدين ...مرض يتفشى في عصر سمته -البرود-

مجتمع
الجمعة 14/11/2008
ملك خدام

لم ولن أنسى ماحييت منظراً شاهدته في طفولتي عند زيارتي لخيّاطة العائلة في منزلها لإجراء قياس لفستان كانت والدتي أوصتها بخياطته لي, كيف اقتحم ولدها -اليافع- غرفة القياس علينا وراح يطالبها بمبلغ من المال,

وعندما اعتذرت منه, بأنها لم تقبض ثمن ثوبي من والدتي بعد, ثار كالزوبعة وراح يهشم كل ماحوله من أطباق وزجاج النوافذ والفترينات وعندما حاولت والدته منعه ضربها .. نعم ضربها بقسوة وأوسعها لكماً وركلاً برجليه لدرجة بكيت معها خائفة بصوت عال, وخرجت هاربة بذعر وهلع شديدين..‏

فيما بعد فهمت من أمي أن هذا الولد عاق, وقد تسبب من قبل بوفاة أبيه بالذبحة الصدرية, وربماألحق مستقبلاً والدته فيه.. وبأن مصيره جهنم وبئس المصير.‏

اليوم, تقطعت بيني وبين أبطال هذه الحكاية السبل, ولكنني عايشتها مجدداً ولمرات بأبطال وأحداث جديدة, فعقوق الوالدين على مايبدو غدا مرضاً يتفشى في عصر سمته -البرود- وتقطع صلات الرحم.. ومن ينسى حكايا التراث عن الأب الذي فوجئ بولده يصنع قصعة من خشب, عندما سأله: ماخطبه? أجاب: إنني أهيئ لك هذه القصعة لأطعمك منها عندما تكبر, حتى لاأغضب كما غضبت أمي عندما كسر جدي الصحن الخزف, وأنفذ اقتراحها كما قبلت بأن تطعمه في قصعة من خشب.‏

وأما الأشد -عقوقاً- ذاك الذي دفع والده نحو باب المنزل ليطرده إرضاء لعروسه التي قالت له: إما أنا أو هو في هذا البيت, ذلك العاق الذي لم يكترث لدموع أبيه, إلا حين قال له: يابني يكفي إلى هنا, فقد وصلت بي إلى حيث كنت قد أوصلت فيما مضى جدك!!.‏

نعم إن عقوق الوالدين, لايفضي إلا لمزيد من عقوق الأولاد والأحفاد.. ولاسيما أننا نعيش العزلة في كل شيء .. العزلة الاقتصادية.. والعزلة العاطفية.. والعزلة الاجتماعية.. فكم مرة تقدربإمكان المرء زيارة والديه بعد الزواج, وهل للزوج أو الزوجة دورهما الأساسي في عزل الآباء عن الأبناء وحتى الأحفاد..?‏

إنها باختصار ظاهرة ازدهرت مع استقلالية سكن الأبناء وانفصالهم عن الآباء ودار العائلة الكبير, الذي كان يعج سابقاً بالأبناء والأحفاد, وكان من العار مجرد تفكير الابن بالانفصال عن دار أبويه..‏

والآن الجار لايعرف جاره, والأخ بالكاد يلتقي بأخيه, فكيف بالولد وأبيه?.باختصار شديد... لسنا في بلاد الغرب الذي يتخلى فيه الأب عن الابن عندما يبلغ السادسة عشرة وإنما نحن شرقيون في عاداتنا وتقاليدنا وشريعتنا التي تحض على بر الوالدين.. وخاصة إذا مابلغ أحدهما أوكلاهما -الكبر- فماذا نقول ونحن نرى دار المسنين تعج بضحايا العقوق الوالدي? والسؤال الذي يبقى: أما من رادع أو وازع من ضمير?!..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية