فقد أخذت مسألة الاستفادة من الطاقة النووية تكتسب المزيد من الزخم بحيث يمكن أن تفضي الى تأثيرات ايجابية أكبر مما توفره جميع الوسائل الأخرى التي تمت مناقشتها بشأن مشكلة الطاقة. والآن فإن هنالك حوالى 440 مفاعلاً نووياً مدنياً موزعة في 30 دولة تحتوي على ثلثي سكان العالم وهي تنتج 16 في المئة من إجمالي حجم الكهرباء في العالم. وبموجب الخطط الحالية فإن هذه الدول تعتزم إنشاء المئات من هذه المفاعلات بحلول عام 2030 وتأتي في مقدمة هذه الدول كل من الصين والهند ,بل إن التوسع في الطاقة النووية سيمتد ليشمل دولاً أخرى مثل بولندا وتركيا وأندونيسيا وفيتنام. وفي نفس الوقت فإن مشكلات انقطاع الطاقة النووية في دول مثل ايطاليا و ألمانيا من المؤكد أن يصار الى مراجعتها وايجاد الحلول المناسبة لها.
لقد أصبحت الطاقة النووية تكتسب المزيد من المصداقية في جميع أنحاء العالم نسبة لما تتمتع به من مقدرة على إنتاج أحجام هائلة من الطاقة النظيفة والآمنة, وبشكل يفند دعاوى وأفكار الجماعات البيئيةالمعارضة للطاقة النووية. بل إن المزيد من هذه الجماعات أصبحت تدعم تبني الطاقة النووية. بحيث إن المخاوف أصبحت تتركز على أسباب عدم نمو هذه الطاقة بالسرعة الكافية لإحداث ثورة هائلة في إمدادات الطاقة النظيفة التي أصبح العالم في أمس الحاجة إليها. وفي نفس الوقت استمرت انبعاثات وقود الكربون تتسرب في أجوائنا بمعدل 900 طن بالثانية برغم تحذيرات العلماء بأننا أصبحنا نمضي بسرعة باتجاه الوصول الى مستوى لا يمكن التراجع عنه من الاحتباس الحراري الذي تتمثل آثاره السلبية في ارتفاع مستوى سطح البحر وانقراض الكائنات الحية وانتشار الأمراض الوبائية والجفاف بالإضافة الى العديد من الكوارث التي ستلحق الدمار بالحضارة الإنسانية.
ومن أجل تجنب هذه الكوارث المناخية بات يتعين علينا العمل على تخفيف انبعاثات الدفيئة خلال فترة الخمسين عاماً القادمة بنسبة لا تقل عن 60 في المئة حتى في ظل النمو السكاني والتنمية الاقتصادية المطردة التي من شأنها أن تزيد استهلاك الطاقة العالمي الى أكثر من ضعفه أو ثلاثة أمثاله. لذا فإن جميع محللي وخبراء الطاقة المتنفذين أصبحوا يؤكدون على الحقيقة التي لا مفر منها والتي مفادها أن الإنسانية لن يمكنها تحقيق الثورة في الطاقة العالمية النظيفة ما لم يحدث توسع سريع في الطاقة النووية من أجل توليد الكهرباء وإنتاج الهيدروجين اللازم لتشغيل السيارات المستقبلية وتحريك عجلة وحدات تحلية المياه بحيث تتمكن من مواجهة أزمة المياه العالمية المتسارعة الخطى. وهذا الأمر يحتاج الى زيادة في الطاقة النووية الى عشرة أضعافها خلال القرن الحادي والعشرين. ولحسن الحظ فإن التقدم الذي تشهده التكنولوجيا وبعض الممارسات الايجابية الأخرى من شأنها أن تعمل على تسهيل تحقيق هذه التوسعة وبشكل يدرأ جميع المخاوف القانونية.
وفيما يتعلق بالسلامة فإنه ومنذ عقدين على حدوث انفجار تشرنوبل عمدت الصناعة النووية العالمية الى وضع معايير صارمة للسلامة أدت الى سحب أكثر من 12,000 مفاعل من الخدمة بعد سنوات عديدة من التجربة العملية. وأصبحت توجد الآن شبكة فاعلة من التعاون في مجال السلامة العملياتية التي تربط مفاعلات الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. وبالنسبة الى انتشار الأسلحة الذرية فقد استمرت برامج الأسلحة السرية التي تتبناها الأنظمة المارقة تشكل مخاطر وتهديدات غير مسبوقة, إلا أن تشديد المراقبة العالمية يمكن أن يضمن لنا أن المرافق النوويةالمدنية لن تعمل علِى زيادة حجم هذه المخاطر.
ومن ناحية النفايات فإن النفايات النووية تمثل في حقيقة الأمر أكبر الموجودات مقارنة بمخلفات الصناعات الأخرى, حيث نجد أن انبعاثات الكربون تأتي في حدها الأدنى من ناحية الحجم حيث يمكن بسهولة احتواؤها والتعامل معها بكل مصداقية. ولكن الصناعة النووية المدنية استمرت لفترة نصف قرن تعمل على تخزين ونقل مخلفاتها الناجمة عن توليد الكهرباء بشكل آمن. لذا فإن تخزين هذه المخلفات على المدى الطويل أصبح يتطلب اجراءات علمية متفقاً عليها تهدف الى إنشاء مخازن جيولوجية عميقة. وبات يتعين على الحكومات في جميع أنحاء العالم اقتفاء أثر دول مثل فنلندا والسويد وفرنسا بالإسراع في إنشاء مثل هذه المواقع.
إن حجم الكارثة البيئية الماثل أمامنا أصبح يتطلب من هذه الحكومات الإسراع نحو إحداث الثورة النووية. ويجب أن يتم التركيز على مراجعة شاملة لا تفاقية كيوتو الخاصة بالمناخ على أن تشمل جميع الدول الكبرى وتتضمن التزاماً طويل المدى بتخفيض مستوى الانبعاثات العالمية. وفي هذا الخصوص يجب وضع آلية للتعامل مع الانبعاثات تنطوي على تفعيل الاستثمارات في مجالات الطاقة النظيفة والاستمرار في تدفق هذه الاستثمارات من الشمال الى الجنوب. ومما لا شك فيه أن هذه المساعدات الاقتصادية ستصبح الأكثر فعالية في التاريخ إذا ما نجحت في تجنب وكبح انبعاثات الدفيئة المدمرة التي ربما تمتد الى الدول النامية. ويجب أيضاً الاهتمام برصد استثمارات كبيرة الحجم في المجال النووي نفسه حيث نجد أن مؤسسات التنمية الكبرى التابعة للأمم المتحدة ما زالت لا تنتهج الأسس العلمية المناسبة بينما تعمل وكالة الطاقة الدولية لوحدها في الترويج للاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
لذا أصبح يتعين على الحكومات الآن العمل على توجيه البنك الدولي ومؤسسات التنمية والبيئة الأخرى التابعة للأمم المتحدة بضرورة تبني رؤية شاملة تجاه الطاقة النظيفة تلعب فيها الطاقة النووية الدور المحوري. ويذكر أن 25 مؤسسة أكاديمية رائدة في العالم قد نظمت مؤخراً برنامجاً أطلقت عليه اسم ( جامعة الطاقة العالمية) وهي تهدف الى وضع المعايير الخاصة بالنشاط النووي العالمي. ومن أجل دعم هذه الجهود يجب أن تسارع الحكومات في جميع أنحاء العالم الى رصد مواردها بهدف إسناد وتمويل الدراسات التي تعنى بعلوم الطاقة السلمية.