ومن يعرفه عن قرب يدرك بأنه جزء لا يتجزأ من كتاباته فهو يعيش الحكاية بكل تفاصيلها وينطلق بنا من الحاضر الى الماضي وفي كثير من الأحيان يقلنا الكاتب في مركبته القصصية الى عالم اللامعقول حيث لا حدود جغرافية أو تاريخية أو حتى سياسية تحدد ملامحه, أنه عالم فاضل السباعي الذي يهرب إليه عامداً متعمداً, لكن القارىء يستطيع أن يستنبط ما بين السطور وما أدراك ما بين سطور فاضل السباعي, ان ما يكتبه هو دائماً مكنونات أدبية راقية ورفيعة المستوى تتخللها مفردات جزلة وقوية ينقد من خلالها الواقع الحالي بأسلوب منمق, لكنه واضح رغم ما قد يتخلله من تمويه أدبي, كأن يتحدث الكاتب مثلاً عن الكباد لدرجة أن القارىء العادي يظن بأن الكاتب يطالعنا على دروس في العلوم الطبيعية بعنوان (كباد الموسم الجديد) -وهي إحدى قصصه- لكنه بهذه القصة يقارب بين الكباد وبني البشر ويطرح الشر والخير بطريقة درامية تحزن القارىء وتجعله يتعاطف مع ثمار الكباد لدرجة تجعله يقلع عن قطفها وأكلها, كما فعل أبطال القصة, لكن العبرة التي قدمها الكاتب على لسان شهرزاد هي التمرد على كل ما هو غير صحيح.. وفي محاولة أخرى للهروب من الأسلوب المباشر استخدم الكاتب الحيوانات أيضاً فها هي قصة (عيون ملونة) تطرح الظلم الذي يقع على الكلاب, والحقيقة أنه لا يقصد الكلاب كما لم يكن يقصد الكباد, فالنبات والحيوان هما أدوات وصور أدبية استخدمها الكاتب ليطرح فكرته بدهاء شديد يفرغ ما في داخله من سلبيات يراها موجودة في المجتمع وما زلنا نعاني من بعضها, لكنه لا يستطيع أن يطرحها بشكل مباشر, فيلجأ الى الاستعاضة عن الانسان بالحيوان وبالنبات تارة أخرى.
وفي أحيان أخرى يلجأ الكاتب الى الترميز كما جاء مثلاً في قصته (في قصر المرايا) حيث يلقب نفسه ب¯ /س/ ويلقب المخبر ب¯ /ش/ وتدور القصة في حوار ساخن يجمع ما بين /س و ش/ ورهان التحدي الذي يكسبه /س/ محتفظاً بسمعته الأدبية العريقة, طبعاً في هذه القصة بالذات نرى أن الكاتب يرمز الأشخاص لكن القارىء يفهمها ببساطة أنه هو المقصود ب¯ س....
أما قصته (احتفال في الساحة العامة) فهي قصة من النوع الثقيل -كما اتفقنا أنا والأستاذ السباعي على تسميتها- فهي تتحدث بجرأة لا متناهية عن الكذب والتزييف الذين يستعملهما البعض لإخفاء الحقيقة عن عيون السلطان, وأعتقد أن هذه القصة تتقاطع الى حد كبير مع قصة (المقامة الطيبوبية).
إذاً من يعرف الأستاذ فاضل السباعي عن قرب يدرك بزن ما يصدر عنه من نقد لما يعاني منه المجتمع من قضايا فساد تأتي من انسان أو مواطن محب لوطنه, هذه المحبة تجعله ينظر لمجتمعه بعين ناقدة تتلمس مواطن الخطأ والفساد وهذه هي الوظيفة السامية التي يجب أن يتحلى بها أي مثقف أو أديب, بل انه من الواجب الوطني أن يتحلى أي مثقف بهذه العين الناقدة المحبة, وهناك فرق شاسع بين الأديب والمثقف المحب والمثقف الحاقد, لكن هذا لا يمنع أن نلاحظ المبالغة في تصوير الواقع والسواد الذي يتلفح معظم القصص, ففي قصة (الكلام المباح) وضعنا الكاتب في أجواء لا معقولة, قصة ذلك الأديب المعارض الذي يعود الى أرض الوطن, والحقيقة هنا أننا لو أردنا أن نتبنى ما يقوله الأستاذ السباعي في هذه القصة لما وجدنا هذا الكتاب (تقول الحكاية) بين أيدي الجميع متوفرة وغير مشفرة, أيضاً هذا الكلام ينطبق على قصة (أحلام العاشقين) هذه القصة التي تعالج بشكل موضوعي وبناء مشكلات الفساد في العالم الثالث, لكنه يبالغ في المقطع الحواري الذي دار بينه وبين بطل القصة والسيدة التي دخل منزلها بالخطأ:
(- هل أفهم من كلامك أننا نفتقد الحرية! يرد عليها قائلاً: ولا أظن أنك تعتقدين أننا نتمتع بحرية التعبير مثلاً
- بحسب المفاهيم التي لقنونا إياها في الجامعة فان مصطلح حرية التعبير فضفاض ينبغي تحديده...)
هنا أجدني اختلف مع الكاتب لأن حرية التعبير متاحة لكن هناك من يكم الأفواه والأقلام حسب مصالحهم الشخصية الضيقة وفي الغالب لا تكون السلطة هي من تفعل ذلك, وهناك أمثلة كثيرة نستشفها في كل اتجاه نسير به, لكن يبدو أن الكاتب يعاني من عقدة السلطة التي لم يستطع الخروج من بوتقتها في معظم مجموعاته القصصية...(حزن حتى الموت-الابتسام في الأيام الصعبة-الألم على نار هادئة-اعترافات ناس طيبين-الطبل-بدر الزمان-آه يا وطني) وعلى الرغم من انه أي الكاتب ينقلنا الى عوالم فانتازية لكن القارىء الحاذق يتعرف على ما يريد الكاتب قوله ويدرك عقدته تجاه السلطة, ومن خلال إعجابي الكبير بهذا الأديب المبدع أتمنى أن يخرج من شرنقة وضع نفسه بداخلها, لأن هناك في الأفق سحبا سوداء كالحة, وهناك من بعيد يصلنا صوت البوم أو الغراب الذي ينبىء بالخراب ونحن ما زلنا نتطلع الى أمور أعتقد أن بعضها أو أكثرها أصبح في غياهب النسيان, وأن الأمور بدأت تنكشف ولا أعتقد أن النقد البناء الصادر عن انسان مغرم ببلده ووطنه يمكن أن تمنع عنه حرية التعبير. والدليل بين يدي القارىء هذه المجموعة القصصية التي صدرت مؤخراً للكاتب والأديب فاضل السباعي والتي جاءت تحت عنوان (تقول الحكاية) لكن المطلوب الآن في هذه المرحلة بالذات التخلص من قصص الماضي والتخفي وراء الفانتازياأو الأسطورة والاستعاضة عنها بالمواجهة والمكاشفة ومراجعة الذات بنقدها قبل نقد الآخر, ومن ثم التطلع الى ما يحاك لوطننا الحبيب من مؤامرات تستهدفه من الداخل ومن الخارج, وأرجو يا أستاذي الكبير أن لا نساهم فيما يريده لنا الغرب من شر وليس أقدر من أديبنا المبدع فاضل السباعي على بلورة هذه المخاطر الجسام في قالب قصصي مثير.....