وله مدلولات عميقة. فخلال سنتين من إقامتهما في دمشق, قام الدبلوماسي الهندي (داينيشوار موليه) وزوجته (سادهنا شانكر) بجولات شملت أنحاء كثيرة من سورية. وكان داينيشوار موليه يصور بعدسة الكاميرا التي يحملها ما تشاهده عيناه من مظاهر الحضارة والجمال الطبيعي وإيقاع الحياة.
وسكب الكاتبان الهنديان مشاهداتهما ومشاعرهما في كتاب أنيق حمل عنوان (سورية... لوحة الفسيفساء الساحرة). وتولى اتحاد الكتاب العرب طباعته وإصداره. وهذه بادرة طيبة يستحق الشكر عليها.
وفي أمسية خريفية لطيفة, أقيم في قصر العظم بدمشق حفل توقيع الكتاب بحضور كبير, لا سيما من السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي ومن الأصدقاء الهنود. في الأمسية تحدث الكاتبان عن طيبة الشعب السوري, وعن الدافع الى تأليف هذا الكتاب. وتمثل هذا الدافع بسحر الطبيعة في سورية وطيبة الشعب السوري وكرمه, والغنى الحضاري في بلدنا وإذ بهم يكونون صورة رائعة عن سورية.
وتحدث أيضاً الدكتور حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب عن أهمية الكتاب بالنسبة لنا في إعطاء فكرة طيبة عن سورية وشعبها.
وعودة الى الكتاب الذي ضم مئة وعشر صفحات من الحجم الكبير, وستة عناوين أساسية وحمل شهادة رائعة من كاتبين هنديين كبيرين بسورية شعباً وأرضاً وحضارة.
في كلمة المؤلفين التي تصدرت الكتاب يقول الكاتبان: (لقد كانت رحلتنا الى سورية بمجملها منذ قدومنا الى هذا البلد قبل حوالي سنتين رحلة اكتشاف وإلهام). وفي مكان آخر من الكتاب يقول الكاتبان:(لم نكن نعرف عن هذا البلد سوى القليل عندما قدمنا الى هنا سورية? هل هي سيراليون أم سيبريا? ذلك كان السؤال الملح عندما عرف الناس بأمر سفرنا الوشيك الى سورية أما بالنسبة للعارفين بهذا الاسم, فكانوا على دراية بالجانب الآخر فقط من الحكاية -هذا يعني أنكم الهدف التالي بعد العراق).
ويتابع الكاتبان:(ما اكتشفناه في سورية كان أمراً لا يصدق. أرض تموج بالسحر, حضارة عريقة, آثار هادئة مذهلة, غابات تبعث السكينة في النفوس طبيعة نقية وهواء عليل, قلاع مهيبة, كنائس روحية, طرق مقدسة, تنوع يحير الألباب وشعب ودود مضياف. سورية هي ذلك الكنز الغامض الحصين وسط هذا المحيط الهادر من الفوضى التي تميز عالمنا التجاري والمادي المعاصر).
وتحت عنوان (أهلاً وسهلاً) قال الكتاب:(لا يوجد تعبير في سورية أكثر شيوعاً من أهلاً وسهلاً... فهاتان الكلمتان في الحقيقة تجسدان في داخلنا روح السوريين وتاريخهم وثقافتهم وحضاراتهم وحياتهم اليومية... عندما يتلفظ السوريون بهاتين الكلمتين الرخيمتين, يمكن للمرء أن يلحظ انعكاس الكلمة في وجوههم الباسمة. الأهم من ذلك أنهم فعلاً يعنون ما يقولون).
أنا في حديثي عن كتاب (سورية لوحة الفسيفساء الساحرة, أجدني مضطراً لاقتطاف مقاطع من الكتاب, وبثها في ثنايا المقال. لأوضح أهمية الكتاب في تغيير الصورة القاتمة التي يرسمها الآخرون في الخارج عن سورية. ففي فصل (الأرض والتاريخ) يتحدث الكاتبان عن التناقض الكبير بين ما وصلهم عن سورية قبل مجيئهم إليها, وبين ما وجدوه وشاهدوه عندما جاؤوها. فعندما بحثا عن كلمة سورية في أحد مواقع الانترنيت, جاءتهما على الشاشة عبارتا (بلد صحراوي), (امتدادات من الرمال). ولكن عندما جاءا الى دمشق, وجدا البرد والثلج, وجدا التاريخ والثقافة والحضارة, شاهدا التنوع الطبيعي, في هذا الفصل, تحدث الكتاب عن الساحل السوري, حيث يكاد البساط الأخضر الذي يغطي الهضاب والجبال أن يلامس صفحة البحر الزرقاء, حيث المنتجعات الشاطئية في رأس البسيط, أو المنتجعات الجبلية وسط الغابات الخضراء وأشجار الحمضيات, ثم ينتقل الي البيئة الصحراوية بسحرها, والتي تتوسطها تدمر بواحتها الكبيرة.
في فصل (المدن) يركز الكتاب على مدينتي دمشق وحلب, وغناهما بالمواقع الأثرية. وخص القنيطرة وحمص ودير الزور واللاذقية بمساحة من الفصل.
وتحت عنوان (المجتمع والثقافة), استعرض الكتاب النشاطات الثقافية والاجتماعية في سورية. أما فصل (مواقع تاريخية) فيقدم الكتاب معلومات عن المواقع الأثرية في سورية مثل الجامع الأموي بدمشق وقلعة صلاح الدين وتدمر وقلعة بصرى وقلعة حلب ونواعير حماة وآثار أفاميا وغيرها...
وبذلك يقدم الكتاب صورة متكاملة عن سورية تاريخاً وحاضراً. ويرسم صورة مشرقة عنها بأقلام نزيهة صادقة, دفعها الاحساس والمشاهدة الى ذلك, وليس موقفاً سياسياً أو مصلحياً.
ومؤلفا الكتاب من الشخصيات الفكرية المهمة في الهند. فالسيد داينيشوار موليه له العديد من المؤلفات الشعرية والنثرية. ويكتب في العديد من الصحف والمجلات الهندية, ولكونه يتكلم اليابانية بطلاقة, فقد أنجز دراسة حول الشعرالياباني المعاصر. وفي مجال هوايته (التصوير الضوئي) أقام العديد من المعارض لصوره في موسكو وطوكيو ودلهي. وهو ممثل دبلوماسي عريق للهند, عمل في موسكو وطوكيو وبورت لويس وحالياً في دمشق.
أما سادهنا شانكر فهي كاتبة, تكتب للعديد من المجلات الهندية والعالمية. وعملت معدة برامج في التلفزيون الهندي. وتحمل الماجستير في علم الاقتصاد من جامعة يوكو هاما في اليابان وتعكف الآن على كتابة رواية.
ولا بد لنا من التوقف أخيراً عند الترجمة الجميلة والناجحة التي قام بها فواز أحمد زعرور. وجاءت الترجمة سلسة ممتعة صادقة التعبير عن مضمون الكتاب الهندي فالمترجم متمكن من اللغتين العربية والهندية بطلاقة.