والشركات المتعددة الجنسيات على السلام العالمي وتعويض البشرية لحرب إبادة ليست كالحربين العالميتين الماضيتين.
يتلازم بالضرورة مع قيام بؤر وسلطات فاشية في هذا البلد أو ذاك من البلدان الرأسمالية المتطورة أو من بلدان العالم الثالث, فبالنسبة للبنان كما بالنسبة لأي بلد عربي تعمل الطغمة الاحتكارية الأميركية لدعم أي اتجاه يسعى لقيام حكم رجعي فاشي يستند إلى قوة الولايات المتحدة الأميركية العسكرية والمالية وإلى امكانيات حليفتها إسرائيل التي تشكل مخلب قط للاحتكارات الأميركية في الشرق الأوسط.
فمنذ اطلاق مشروع مارشال سنة 1947 مروراً بالمشاريع العدوانية الاستعمارية, الدفاع المشترك وقيادة البحر المتوسط وحلف بغداد والحلف التركي العراقي الباكستاني, والنقطة الرابعة الأميركية, وأخيراً حلف (مبدأ ايزنهاور) وحتى الآن نرى استمراراً متتابعاً ومنظماً لخلق نظام في لبنان يتسم بسمة الفاشية وقائماً على أسس طائفية تسهل للسياسة الأميركية إحكام قبضتها وفرض هيمنتها عليه كشرط لتمرير مشاريعها الاقتصادية والمالية والنفطية وتدمير كل المنجزات الوطنية والديمقراطية التي حققتها شعوب العالم الثالث.
وكما أن الامبريالية الأميركية أوجدت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ووثبة البلدان المستعمرة والخاضعة للانتدابات للتحرر الوطني والاستقلال (مشروع مارشال) لاحكام سيطرتها بواسطته على هذه البلدان بل على بلدان أوروبية كفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ما فرض عليها ولا سيما انكلترا التخلي عن مركزها العالمي للامبريالية الأميركية فإن الامبريالية الأميركية نفسها مستندة إلى الشركات متعددة الجنسيات تسعى لإقامة (مشرع مارشال) عربي يمهد السبيل لإحكام السيطرة الأميركية على جميع البلدان العربية وبالتالي تحويلها إلى معسكر للسلاح والقواعد العسكرية.
ولكن حقيقة راهنة برهنت على أن شعبنا اللبناني المتعاطف سياسياً وقومياً مع حركة التحرر الوطني العربي وبخاصة مع قوتها السياسية الأولى الشقيقة سورية, والحريص على متانة ما يشده إلى شعبها, أحبط حتى الآن جميع ما أريد فرضه عليه من مشاريع جميعها ينضح بسموم استعمارية وفاشية.
لقد وقف شعبنا في لبنان بأحزابه الوطنية والقومية ضد مشروع مارشال سنة (1947) ولم تدعه يعمم على جميع مناحي الحياة في بلدنا ثم أسقطنا مشروع النقطة الرابعة الأميركية واضطرت إدارتها إلى الرحيل من لبنان وحلنا دون ربط لبنان بمشروع حلف بغداد كما أننا أحبطنا مخطط مشروع الدفاع المشترك سنة 1951 ومشروع الشرق الأوسط سنة 1952 ومن قبل حلنا دون عقد معاهدة مع أميركا سنة 1949 وفي النضال ضد الأحلاف المشار إليها وسواها من القيود الاستعمارية وقدم شعبنا اللبناني شهداء في المظاهرات الشعبية التي جرت في بيروت وهؤلاء الشهداء ستظل اسماؤهم مضاءة في تاريخ الوطن.
الأسطول السادس الأميركي كان إحدى الادوات الرئيسية لفرض الهيمنة الاستعمارية الأميركية على لبنان وبلدان الشرق العربي, وقد تمكن شعبنا مدعوماً من سورية ومستنداً إلى النضال الوطني من اسقاط مشروع مبدأ ايزنهاور سنة 1958 ومنذ ذلك الحين أصبحت المياه اللبنانية محرمة على قطع الاسطول الأميركي السادس.
ولكن في عام 1982 وبسبب الاحتلال الإسرائيلي عادت قطع هذا الأسطول تمخر في مياهنا واتخذتها قاعدة لإقامتها الدائمة ولكن شعبنا المتضامن مع سورية الذي طرد الجيش الفرنسي والانكليزي عن أرضنا سنة 1946 والجيش الأميركي 1958 وهو نفسه وبفعل نضاله طرد الجيش الأميركي والقوات المتعددة الجنسيات 1982 وأرغم إسرائىل على التراجع والانسحاب من معظم الأراضي التي احتلتها كما أنه اسقط اتفاق 17 أيار المشؤوم.
وشعبنا الجبار وبمقاومته المتعددة فرض معادلة القوة مع إسرائيل وارغامها على الرحيل وتحرير الأرض والإنسان وإنها لتجربة فريدة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقد جاءت مدعومة من الشقيقة سورية وإرادة شعبنا اللبناني.
إن لشعبنا تراثاً عظيماً كصانع للحريات العامة والفردية والديمقراطية ولكن التراث وحده لا يكفي لصد الهجمات الأميركية والامبريالية والصهيونية الضارية الهادفة للسيطرة وفرض الحكم الرجعي الموالي لها.
إن النوم على التراث والاصالة لا ينقذ الحريات ويحقق الاستقلال والديمقراطية والعروبة الحقة المنفتحة المتقدمة.
(الحديد قاس ولكن مطرقة الحداد قادرة إذا ما استخدمها ساعد قوي على تكسيره فبالروحية التي تنضح من توجيهات الإرادة والثقة بضرورة النضال والتضحية وأساسها الثقة بالشعب والتفاعل معه سنجهض أي محاولة لقيام فاشية في لبنان تشكل مطية لإسرائيل والأميركيين وترتاح إليها الولايات المتحدة الأميركية وتباركها الامبريالية الأوروبية وامبريالية الطوائف اللبنانية.
كاتب لبناني