ولا حتى خطاباته وتصريحاته خلال الحملات الانتخابية الرئاسية وعقب فوزه بل الحكم عليه وعلى إدارته الجديدة سيأتي من خلال الأفعال والأعمال لكن البارز على السطح إلى الآن هو أن الولايات المتحدة وبعد التراجع الكبير الذي شهدته اقتصادياً وسياسياً باعتراف أوباما نفسه، تسعى للمصالحة مع العالم ومع نفسها، فهل تتمكن من الانتقام لنفسها من جورج بوش بعيداً عن شعار «إما معنا أو ضدنا» وبالتالي فإن رغبة المصالحة تلك قد تحمل ضمناً اعتذاراً عن الحروب المروعة التي خاضتها تلك الإدارة البوشية وسياساتها الهوجاء التي اتبعتها سواء في الاقتصاد أم السياسة أم البيئة.
إن أول امتحان صعب لأوباما سيكون مع أزمات المنطقة العربية، و خلفه إرث سيئ لإدارة بوش التي دمرت العراق وشردت سكانه وقتلت أكثر من مليون إنسان من أبنائه وكذلك دعمت ومولت وساعدت بشكل مطلق عدوانية إسرائيل, فهذا الكيان الإرهابي شن حربين عدوانيتين ضد لبنان عام 2006 وضد الشعب الفلسطيني في غزة الصامدة أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009 ناهيك عن استمرار سياساته العنصرية في الأراضي المحتلة والتي تتفوق على النازية في بطشها وأهدافها في اقتلاع شعب من أرضه عبر القتل والتدمير وسلب الأراضي وبناء المستوطنات غير آبهة بالقوانين الدولية والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة وهي تستمر في إرهابها الدموي متحدية العالم بأسره.
إن وعد أوباما بالانفتاح على العالم الإسلامي مع مراعاة مصالح الطرفين وأنه سيوجه خطاباً من عاصمة بلد إسلامي خلال المئة يوم الأولى من عهده تشي بأن أمام أميركا فرصة نادرة كي تصحح صورتها في العالم أجمع وخصوصاً في العالمين العربي والإسلامي، حيث التركة التي خلفها بوش ثقيلة للغاية, فمشاعر الغضب والسخط على أميركا مثل الطوفان وشعوب المنطقة لا يمكنها أن تغفر لإدارة بوش ما فعلته في العراق وما قدمته للكيان الإرهابي في تل أبيب من دعم غير مسبوق لتنفيذ إرهابها الإجرامي ضد العرب والمسلمين وبشكل خاص ضد الشعب العربي الفلسطيني.
لذا فإن إدارة أوباما إذا كانت فعلاً تنوي المصالحة والحوار وتسعى لإنقاذ أميركا وسمعتها من العار الذي ألحقه بوش بالشعب الأميركي، فعليها التحرك السريع لإنهاء الصراع العربي- الصهيوني بطريقة تساهم في لجم الزلزال الذي يحيق بالمنطقة انطلاقاً من مشاعر الغضب العارم ضد الكيان الإرهابي في تل أبيب والمدعوم حتى الأنياب من قبل الولايات المتحدة الأميركية، إذاً أوباما مع إدارته الجديدة مطالبون بالتحرك السريع لإنعاش الآمال بإمكان التوجه نحو السلام العادل والشامل، فلقد برهنت تجارب السنوات السابقة أنه لا السطوة العسكرية ولا البطش والحروب العدوانية تستطيع إخماد جذور المقاومة الفلسطينية والعربية ضد المحتل الإرهابي، فغياب السلام العادل والشامل وفق القرارات الدولية هو السبب في القتل والدمار، وهذا ما أكدته الحرب العدوانية المدمرة ضد غزة، فالكيان الإرهابي الصهيوني- يعرف القاصي والداني- كيف تعامل مع السلام ومع المبادرات السلمية، وجوهر الأمر أنه لا يمكن قيام سلام عادل وشامل في المنطقة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة ودون انسحاب قوات الإرهاب الصهيوني من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
إذاً المصالحة من خلال التأكيد على المصالح للطرفين تعني برأينا لجم عدوانية الكيان الإرهابي في تل أبيب، وتعني إحقاق الحقوق ورفع الظلم، و أوباما الذي يعرف جيداً العنصرية ومعاناتها فإنه مطالب أيضاً بأن يسعى ويعمل مع إدارته الجديدة لإنقاذ أميركا من الإرث البوشي وزمرة المحافظين الجدد التي عاثت في الأرض العربية والإسلامية فساداً ما بعده فساد، وإذا كان الزمن كفيلاً بإيضاح ما قاله أوباما وترجمته إلى أفعال، فإن غداً لناظره قريب، فهل ينجح أوباما في القيام بنقلة نوعية تنتقم فيه أميركا لنفسها من جورج بوش وزمرته الفاسدة؟.