بتوقيع المخرج الكويتي الأشهر صقر الرشود وأداء: سعاد عبد الله، ومحمد المنصور، وإبراهيم الصلال، وخالد العبيد، وعبد الله الحبيل الذي كان دوره في هذه المسرحية فاتحة نجاحه في مجال الكوميديا، إضافة لتقديمه شخصية نعمان في البرنامج التلفزيوني الشهير (افتح يا سمسم).
المسرحية التي كان يفترض أن تنتهي عروضها يوم الأحد الماضي، لولا حضور الجمهور الواسع، تحمل عنوان (حفلة على الخازوق) وقد استوحاها الكاتب المصري الكبير محفوظ عبد الرحمن من حكايات ألف ليلة وليلة فكانت أحد نصيّه المسرحيين بالغي الأهمية إلى جانب (عريس لبنت السلطان)، ويذكر الكاتب أنه بعد أن نشر مجموعتين قصصيتين ورواية، تملكته رغبة الكتابة للمسرح فكتب عدداً من المسرحيات ذات الفصل الواحد، ونشر بعضها، لكنه فوجئ بأن أول مسرحية أرسلها للنشر في إحدى الدوريات قد طبعت تحت ترويسة قصة قصيرة، وبعد تأمل طويل اكتشف أنها فعلاً كانت قصة، وأنه كتب بعض نصوصه المسرحية كقصص، كما كتب بعض قصصه كنصوص مسرحية. فتعلّم من هذه التجربة عدم الخلط بين الأجناس الأدبية، دون أن يتخلى عن قناعته بأن الكاتب يستطيع أن يكتب في كل مجال، ولكن شرط أن يكون في لحظة الكتابة في مجال معين، ومدركاً لشروط الكتابة فيه، متجنباً الخلط بين الأنواع التي يكتب فيها، كاستخدام مفردات المسرح حين الكتابة للتلفزيون أو بالعكس، وأن الكتابة قد تكون ناجمة عن ثقافة أو عن حصيلة كبيرة من المعلومات، لكن هذه أو تلك ليست كافية ما لم تكن الكتابة ناجمة عن حسّ. وقد تجلت هذه القناعة في قدرته العالية على كتابة أعمال تلفزيونية ناجحة (عنترة - ليلة سقوط غرناطة - الكتابة على لحم يحترق - بوابة الحلوانى - أم كلثوم (وفي نصه السينمائي الرائع (ناصر 56). وكذلك في نصوصه المسرحية حيث نشر مسرحيته التالية (اللبلاب) وقدمّها للمسرح بناء على طلب احد أصدقائه، ولم يمض وقتٌ طويل حتى جاءه اتصال هاتفي من المخرج كمال حسين يبلغه رغبته في عمل المسرحية، وبعد الكثير من التفاصيل والبروفات، وقبل عرض البروفة الجنرال، قررت لجنة مراقبة العرض منع عرضها، وكان ذلك في العام 1963. إن مثل هذا الأمر قد حصل معه بعد ذلك في المسرح وفي التلفزيون عشرات المرات، وأصبح مدركاً لطبيعة هذه الأشياء ومستوعباً لها، لكنه في تلك التجربة الأولى أصيب بصدمة قوية، منعته من محاولة الكتابة للمسرح إحدى عشرة سنة، حتى ذلك اليوم الذي كان مسافراً فيه خارج مصر وتوقفت الطائرة لساعة أو أكثر في مطار كئيب فجلس وبدأ بكتابة مسرحية (حفلة على الخازوق) وكان سهلاً عليه فيما بعد كتابة باقي الفصول، واستعادة قدرته على الكتابة المسرحية مجدداً متجهاً إلى استلهام التراث في محاولة للبحث عن شكل مسرحي عربي عن طريق مضامين وأشكال ذات أصول فولكلورية أو تاريخية، وهو اتجاه ظهر في المسرح العربي بعد عدوان 1967 وضم المصري ألفريد فرج والسوريين سعد الله ونوس وممدوح عدوان، والتونسي عز الدين المدني.
كان واضحاً منذ اللحظة الأولى للعرض أن زيناتي قدسية لا ينوي إعادة تقديم عرض صقر الرشود، ولو كان ذلك بغاية استحضار نجاحه، فقد كان حرصه جلياً على تقديم عمل مسرحي معاصر، لا من خلال إعداده الجديد للنص فحسب، وإنما أيضاً من خلال الشكل المسرحي الذي اختاره. فاعتمد على المواءمة بين سينوغرفيا العرض، التي صممها محمد خليلي (الديكور والملابس) ونصر الله سفر (إضاءة) ومنور عقاد (مكياج)، ونفذّها إبراهيم مؤمنة (الإكسسوار والديكور) وعماد حنوش (الإضاءة)، والأداء الحركي لمجموعة الممثلين والراقصين المتكامل والمتناغم، والموسيقا التي أعدها قصي قدسية، وبين حوار النص ووقائعه التي أداها ببراعة احترافية عالية فريق الممثلين: محمود خليلي (في حضوره الثري متعدد الأوجه) وعلي اكرّيم (الذي استحضر كل خبرته المسرحية ونأمل أن تتكرر في عروض كثيرة) وجمال العلي (صاحب الحضور المسرحي العفوي والممتع) ومصطفى المصطفى (الذي وجد في هذا العرض فرصة للتعبير عن موهبته خارج إطار الشخصية الشريرة) و زهير بقاعي و رائد مشرف (المحملين بتجربة طويلة وغنية من المسرح الجامعي)، وقصي قدسية (في حضوره المسرحي المتمكن) ونورس أبو علي (في أدائه الكوميدي الحيوي)، وكان وقوف صفاء رقماني على خشبة المسرح للمرة الأولى في الدور الرئيسي (هند) لافتاً للتقدير.
من بين الأشياء التي حافظ عليها زيناتي قدسية في العرض الجديد ذلك الأثر الذي لا ينسى لمشهد الصناديق الأربعة، وهو المشهد الذي يمكن اعتباره رمز العرض، والذي كاد أن يحول دون تقديمه أول مرة على مسرح كيفان في الكويت عام 1975 بسبب تذمر المسؤولين في المسرح من كمية الأخشاب المستخدمة في صنع الصناديق ونوعيتها الباهظة الثمن، ولا شك أن محمد خليلي وفريق عمله قد توصلوا إلى حلً أقل تكلفةً، دون التفريط بقيمة المشهد، وإنما على العكس تماماً بإعطائه حالة بصرية خدمت العرض بشكل كبير، وفي المقابل جعل المخرج أحداث عمله تتمدد في غير زمان ومكان لتقدم مقولة بذاتها، مثلما فعلت دلالات وإحالات معرفية، كحمل السجين لقضبان السجن على ظهره، وكذلك الاكتفاء بمشهدي إدخال شخصين من الأشخاص الأربعة إلى الصناديق.
تضمنت بطاقة العرض إضافة إلى من سبق أسماء: منصور نصر (مخرج مساعد) وإياد عبد المجيد (تنفيذ الصوت) وإياد السبع (كريوغراف)، وعلي خليلي (التصميم الإعلاني)، ويوسف بدوي (تصوير فوتوغرافي) وهناء أبو أسعد (متابعة إعلامية) وغادة العمر مساعدة مخرج، ورشا زنداقي (مساعدة مكياج).
زيناتي قدسية استحضر من ذاكرة الجيل الذي حضر العرض القديم ذكريات جميلة حميمة مفعمة بالأمل، وأتاح للأجيال التي تلته متابعة رؤيةٍ متجددةٍ لنصٍ مسرحيٍ عالي الأهمية، وقدم للجميع عرضاً ممتعاً أضاف لروح النص نبض زماننا وإبداعه، ورؤية مبدعة لمسرحي قديرٍ وعريقٍ وخبير.
www.facebook.com/saad.alkassem