ل لأن الغرب الذي تواطأ وسهّل قيام إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني المظلوم أراد زرع جسم غريب في قلب الوطن العربي من أجل إفساده وإضعافه ومنعه من التعافي والنهوض، كي يسهل على الغرب وأنظمته الاستعمارية الطامعة الهيمنة على المنطقة ومقدراتها ونهب خيراتها وإذلال شعوبها.
فخلال نحو سبعين عاما من عمر هذا الكيان الإرهابي الغاصب اتضح تماما وبما لايدع مجالا للشك من هم أولئك الذين يحملون قضية فلسطين في قلوبهم وضمائرهم ويقاتلون ويضحون من أجلها ويتحملون في سبيلها ما لاتطيقه الجبال، ومن هم أولئك الذين يتاجرون بها وبهموم وأحلام شعبها ومصيره، ويشتغلون لحساب حلفاء إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ويساهمون بتخاذلهم وعمالتهم وجبنهم بتشجيع الكيان الصهيوني على اضطهاد الفلسطينيين وسلب حقوقهم واقتلاعهم من أرضهم.
ومع انشغال محور المقاومة العربية وعلى رأسه سورية بالحرب القاسية ضد الإرهاب التكفيري عمد الكيان الصهيوني إلى استغلال هذه الفرصة السانحة لتصفية القضية الفلسطينية واستكمال مشروعه الاستيطاني بتهويد القدس وتدمير المسجد الأقصى ومنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، مستفيدا من الدعم الأميركي والغربي له، ومن تآمر وتواطؤ مشيخات الخليج التي دأبت منذ سنوات طويلة ولأسباب تتعلق بدورها الوظيفي كمحميات وقواعد أميركية على محاولة استبدال صراع العرب مع الصهيونية بصراعات أخرى مذهبية وطائفية وعرقية، فصار العداء للثورة الإسلامية في إيران على سبيل المثال يحظى بالأهمية القصوى لديهم في حين تراجع العداء للكيان الصهيوني واضمحل إلى حدوده الدنيا بحيث لم يعودوا يتحرجون من التعاون والتنسيق معه ضد دول عربية أخرى.
ولكن رغم هذا الوضع العربي المزري والمشوش إلا أن الفلسطينيين لم ييئسوا وها هي اليوم ترتسم في الأفق ملامح انتفاضة فلسطينية ثالثة، حيث يقاوم أبناء الشعب الفلسطيني المقهور بصدورهم العارية والحجارة والسكاكين آلة الهمجية والتدمير والقتل والقمع الصهيونية دفاعاً عن أرضهم ووجودهم وحقوقهم ومصيرهم ومقدساتهم، في حين ينشغل عرب التخلف الاعتدال ـ حسب الوصف الأميركي ـ بحروبهم القذرة ضد أشقائهم العرب في اليمن وسورية والعراق وغيرها، بعد أن اطمأنوا لرضا وموافقة أميركا على سلوكهم الأحمق في العديد من الساحات والملفات وخاصة دعمهم وتمويلهم وتسليحهم للجماعات التكفيرية الإرهابية التي تعمل لخدمة أجندات صهيونية وغربية لم تعد خافية على أحد.
الإرهاب والقمع الصهيوني ضد الفلسطينيين بلغ هذه الأيام حدّاً لا يمكن السكوت عنه على مرأى ومسمع الخانعين والمتآمرين في مشيخات الخليج الذليلة، وبعض هذا الإرهاب والقمع الوحشي يُبثّ مباشرة على قنواتهم الفضائية الفاجرة من باب رفع العتب ليس إلا، في حين لا يحركون ساكناً تجاه ما يلحق بالفلسطينيين بل لعلهم ـ وهذا الأرجح ـ يشجعون إسرائيل عبر قنواتهم السرية على قتل الفلسطينيين وهدم المسجد الأقصى وتهويد القدس والتخلص من كل ما يمت للمقاومة الفلسطينية بصلة لكي يتخلصوا نهائياً من عبء هذه القضية الحية في الوجدان العربي، وهم يفعلون أكثر من ذلك في اليمن وغيره من البلاد العربية..فعلام يشعر الصهاينة بالحرج بعد ذلك..؟!
منذ عام 2002 وهم يتمسكون بمبادرة سلام هشة مع إسرائيل رغم أن الحكومة الصهيونية رفضتها وداستها بجنازير الدبابات في اليوم التالي، إلا أن باعة القضية الفلسطينية إياهم ما زالوا نزولاً عند عمالتهم لواشنطن يروجون لهذه المبادرة اليائسة وكأنها باب الخلاص والحل، في حين يدمرون بلدا عربيا مثل اليمن ويقتلون شعبه ويساهمون بتدمير سورية وقتل شعبها ويرفضون أي حديث عن حل سياسي يوقف حمام الدم، ما يكشف عمالتهم وارتهانهم وتعطشهم لسفك الدماء العربية وحرصهم الأعمى على مصالح أميركا والكيان الصهيوني..؟!
في ثمانينات القرن الماضي تفجرت نخوتهم الإسلامية بعقاقير أميركية فذهبوا بالتكفيريين و«الجهاديين» والمرتزقة إلى أفغانستان لمحاربة الشيوعية والإلحاد كما كان يروج إعلامهم، فأنشؤوا تنظيم القاعدة الإرهابي وقاموا بتمويله وتسليحه ليتحول فيما بعد إلى خطر يهدد أمن العالم واستقراره، وقاموا بتمويل حرب صدام حسين الظالمة ضد إيران وأنفقوا مليارات الدولارات على قتل الشعب الإيراني وتدمير ثورته، فقط لأن إيران دعمت القضية الفلسطينية وأعلنت عداءها للكيان الصهيوني..؟!
وفي العام 2003 حرّضوا أميركا على غزو العراق وجعلوا من أراضيهم منطلقا ومعبرا لجيوش الغزو الذين دمروا العراق وحضارته وقتلوا أكثر من مليون من شعبه، وفي العام 2006 حرّضوا إسرائيل على غزو لبنان وتدميره وقتل شعبه والقضاء على مقاومته الشريفة، وحين فشلت وهزمت اسودت وجوههم وزاد حقدهم وتآمرهم على المقاومة، وخلال السنوات الأربع الماضية من عمر الأزمة في سورية لم يتوقفوا لحظة واحدة عن دعوة وتحريض أميركا والغرب لضرب سورية كما فعلوا بليبيا والعراق. فهل ما زال أبناء فلسطين يعلقون آمالا على هذه المخلوقات الخليجية المتأسرلة والمتأمركة والمتدعوشة «نسبة لداعش» أم أنهم نفضوا أيديهم من هؤلاء العربان الذين ماتت النخوة لديهم منذ زمن بعيد..؟!