تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل نشهد حرباً باردة جديدة؟!

شؤون سياسية
الأثنين 12-12-2011
حسن حسن

كثيرة هي الأسئلة التي تُطرح في ذهن القارئ، والمتابع للسياسة الخارجية الروسية، وخاصة أن لروسيا ماضياً غنياً وتاريخاً مملوءاً بالعلاقة مع الشرق، ودعماً لقضاياه العادلة، منذ مرحلة الاتحاد السوفييتي السابق.

أدى انهيار الاتحاد السوفييتي السابق إلى نتائج هامة على الشعب الروسي والشعوب التي كانت منضوية تحت لوائه، وخاصة فيما يخص الفراغ الإيديولوجي والروحي.. وقد انعكس ذلك في أوضح صوره خلال فترة حكم بوريس يلتسين التي شهدت مرحلته اضطرابات اقتصادية، واجتماعية، وانهيارات وضعت روسيا في موقف صعب للغاية، حيث انتشر الفساد على نطاق واسع.‏

وجرى نهب منظم للمصانع، وتمت خصخصة صناعات استراتيجية حتى وصل الأمر إلى محاولة ضرب المجمع الصناعي العسكري الروسي، وازدادت معدلات البطالة.‏

واختفت احتياطيات روسيا من الذهب لتتحول روسيا إلى بلد مستورد للمواد الغذائية، ومواد الصناعة، وهو ماانعكس على وزن روسيا الدولي، وتأثيرها على الأحداث العالمية بما في ذلك الشرق الأوسط، وهي المرحلة التي وجدت فيها واشنطن لنفسها مصلحة استراتيجية بهدف إضعاف خصم لطالما عذبها، وشعرت بالقلق منه دائماً.‏

ولما جاء بوتين علىخلفية تركة ثقيلة خلفها يلتسين،كان همه الأساسي إعادة الروح للشعب الروسي، وإحياء تاريخ روسيا العظيم، والدور الذي يفترض بروسيا أن تلعبه في محيطها والعالم، ولهذا فإن السياسة الروسية في بداية الألفية الثالثة أخذت بالاعتبار أخطاء الماضي، وتغيرات الحاضر، فرفضت الأحادية القطبية بزعامة أميركا وما نتج عنها من كوارث وحروب، ومحاولات لحصار روسيا عبر قلب الأوضاع في أوكرانيا وجورجيا، وتمويل التطرف في القوقاز، والتغلغل إلى آسيا الوسطى والسيطرة على الشرق الأوسط وموارده، ثم أخيراً توسع حلف الأطلسي شرقاً، والسعي لنصب الدرع الصاروخية في أوروبا، الأمر الذي رأى فيه الروس خطراً على أمنهم القومي.‏

بوتين شن حملة شديدة ضد الطغمة المالية اليهودية، واستطاع تقليم أظافر عدد من رموزها، أبرزهم: غوسينسكي وبيريزوفسكي وكومنسكي وخودر كوفسكي، وأهمية تحييد وعزل الرئيس بوتين لهذه الطغمة المالية، التي كانت تتحكم بالمقدرات الاقتصادية والسياسية الروسية، تكمن في وضع حد لهذه المافيات التي أسهمت في نهب الشعب الروسي وزرعت الفساد والإفساد في كل مؤسسات الدولة الروسية وهيمنت على غالبية المؤسسات الإعلامية بذرائع الخصخصة والعولمة ومقتضيات السوق الحرة.‏

لذلك لم تكن ثمة مفاجأة في ذهاب الآلة الدعائية والإعلامية الغربية إلى اتهام بوتين بالعودة إلى الستالينية، كما لم ترق للولايات المتحدة الأميركية السياسة الخارجية الساعية إلى تعزيز المواقع السياسية لروسيا وجعلها أكثر ديناميكية، ومحاولة إيجاد نوع من التوازن على الساحة الدولية، والسعي للحد من سيطرة القطب الأوحد على العالم، وبذل جهودا للحد من الاعتماد على القوة في العلاقات الدولية.‏

ومن هنا، يأتي خليط الغضب والصدمة الذي ساد أروقة صناع القرار الأميركي.‏

منذ أن استخدمت كل من الصين وروسيا حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي لمنع تمرير مشروع قرار ضد سورية، فقد بوغتت واشنطن بذهاب عدو الأمس ومنافس المستقبل معاً إلى هذا المدى في خطوة نادرة لم تعرفها أروقة الأمم المتحدة منذ زمن الحرب الباردة.‏

مافهم أميركياً هو أن رسالة روسيا ومن ثم الصين تأتي في إطارمنع مزيد من التمدد الأميركي في منطقة واعدة بفعل ربيع العرب بالنسبة لهذه الكتلة الشرقية الجديدة، وتأتي أيضاً في إطار إعلان تمهيدي بأن الوقت قد اقترب لبزوغ قوة جديدة، وأنه آن الأوان لاقتسام صدارة العالم التي كانت دوماً حكراً على الولايات المتحدة خاصة وغرب تابع لسياساتها عامة، وتعكس حالة الاستنفار للتعامل مع الأزمة أميركياً في أعقاب هذا التغير النوعي من قبل روسيا والصين، مدى الفهم الأميركي للرسالة القادمة من الشرق الأوسط، فالقصة ليست سورية وليست موقفاً ضد تدخل عسكري آخر، لأنهم يعلمون أن الولايات المتحدة تريد إسقاط سورية من دون التورط في تدخل عسكري آخر على غرارماحدث في ليبيا لاختلاف الأمور بالنسبة لسورية، نظراً لتنوع الخريطة الديمغرافية، ووضع سورية الجغرافي، حيث «إسرائيل» ولبنان والعراق.‏

وبغض النظر عن مضمون القرار وإلى من يوجه، ثمة أسباب عامة وخاصة يمكن الالتفات إليها، أولها: طبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تتسم بها العلاقات السورية- الروسية، فهذه العلاقة مازالت تصنف ضمن إطار العلاقات الاستراتيجية التي تحرص عليها القيادة الروسية لما لموقع سورية في الحسابات ذات الطبيعة العسكرية والأمنية، ومنها البقاء في المياه الدافئة، وهو الحلم القديم الذي لايمكن لموسكو التخلي عنه ولو في أحلام اليقظة، وخاصة في ظل إعادة تشكيل سياسي وربما جغرافي لكيانات منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن العلاقات التجارية القائمة بين البلدين، إضافة إلى تلك الميزات الناظمة للعلاقة ثم بُعد روسي آخر يتمثل في إعادة التركيبة السياسية الروسية اللاحقة العام المقبل في إطار عودة فلاديمير بوتين المحتملة بقوة إلى الرئاسة، الشخص الذي أعاد تموضع روسيا في النظام العالمي القائم بعد ضمور وضعها إبان الفترة الانتقالية التي حكمها بوريس يلتسين، الأمر الذي سيعزز موقف القيادة الروسية في مجابهة خصومها التقليديين على المستويين الدولي والإقليمي، عبر إدارة أزمات إقليمية ذات طبيعة استثمارية عالية ومن بينها الوضع الداخلي السوري.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية