إن نأت الأطراف عن دمشق
وانشق عن حجرك غباره
فأنت جذر ذاتك وجذعها
وغصنها المؤرق والمزهر
ذبلت أو نضجت ثماره
وادي الذئاب عندهم سيبقى
إن زحفت أفعى الرمال ألف عام أخرى
ومطرت وراءها الكثبان والتيجان والأعلام والأقلام حين تشرى
درجة واحدة لن ترقى
إلى بهاء قاسيون الأبقى
ياأيها السوري أنت الأعلى في ذاتك التكوين قد تجلى
الصوت والصدى
والماء والندى
والطين في قبضة نار الحرف إذ تولى
الدود في خلك من عفنهم تسرّب
والعتمات في نهارك البهي
نسج عقوب تعنكب
كم علقمياً زرعوا في كل ثغر من بلادك
من خدم القبعة الزرقاء والعقال
واليورو والدولار والريال؟
لكن صدرهم ضاق بسرهم
وكلهم بفعله حاكى أبارغال
لاأرجم اللحظة بالغيب
أوألبس الحكمة من ثوبي
بل أرجم اليقين بالنّبال
الدماء التي في إناء النحاس تبقبق
يصعد منها بخار يحاكي الغيوم ويهطل في الذاكرة
كم يراد لنا من دهور لندفع ديتها
كم قطيعاً من الآدميين سوف يساق إلى مسلح الثورة القذرة؟
والبلاد التي خلت نفسك صاحبها
فانبرت تبيع وتشري بها قطعة قطعة
بين باريس، أنقرة، القاهرة
وكأنك نخاس عشاقها من عبيد الوطن
هل ظننت بأنك مالكها إن قبضت الثمن؟
هل لأنك بالباء يبتدئ اسمك أصبحت بابا
فيدخل منه الغزاة البغاة إلى شامنا
كي يعيثوا خرابا؟
خسئت ،فإنك والمجلس الانكشاري
لن تصلوا نقطة تحت باء دمشق
ولو حشد الأطلسي براكينه كلها،
فغوطتنا كل أشجارها الواقفة
غابة الأسد الوارفة
من على قاسيون يظللها نسرها العربي
فما أنت إلا البعيرة من أست معرفة زائفة
توهمها الغرب نجمتهم والدليل إلى مقتل في البلد
إن باءت حشوة غليونك المتقد
والوعيد الذي يتدفق من فمك المرتعد
ليس إلا دخاناً يبرهن أن الرهان
ارتباك عدو تجارته بائرة
فاجمع الآن أوراقك اليابسة
ثم ألقم حطب المدفأة
فالخريف يعانق آخره
والشتاء يطل بأيامه القارسة
فالعجوز الذي يتصابى علينا
سيصغر يصغر
حت يساق إلى المدرسة
وحين يصر نصيره مثل صرصر« كافكا»
وتهلو بجثته المكنسة!
باء باريس باءت وباءً
وأمواج« سينك» تعجز عن غسل أدران روحك
كيف ستشفى؟
بخفين من فضة الكلمات المباعة،
ياأيها البيدق القطري، تقدم
على رقعة من دماء دمشق
بخفي لص، أو اخلعهما الآن خفا فخفا
تقدم، فها أنت تعرى وتحفى
تقدم، فإن دمشق على كل باب
بقبقابها سوف تهرس كل رؤوس الأفاعي
وترقي بترياقها الوطني السموم
وترقى
على درج ذهبيتها أشعة شمس انتقام
الضحايا
إلى سدة المجد
ترمق أبناءها المخلصين امتناناً
يرمقها المارقون
يرومون عفواً أو عطفاً!
عندها هتفت:
سين سورية
استوت الآن سيفاً
حينها.. قام « ساري» عن الخشب
مواصلاً قضم « بسكوت» به مزج
طحين حمص
بعنقود من العنب
نفض الهدايا التي علقت بهامته
من شوك أعمامه الأتراك والعرب
وضاحكاً بين أقران له ضحكوا
كأن ضحكهموا عزف على القرب
مسح الحلاوة عن شفتين من قصب
واختض ببشر عذباً صوته الذهبي
من قصر صقر قريشي بأندلس
إلى ميادين سيف الدولة الحلبي:
نربأ بالرياح أن تراوغ الجبال كي تغدر بالسهوب
لكنها ثعالب مجنحة
تنعق كالغربان في الأزرق بين الأزرقين
لانبعاث الرائحة
من جثث الأطفال ملقاة على الدروب
فاجأهم ذئب بزي أمهاتهم
في فرجة الباب
صلاهم عاوياً
يمزق اللحم الطري
بالمخالب الصلدة
والنيوب
من سمع الصرخة حين الأم ضمت طفلها الذبيح غير
جبل ناء بها منفطراً
يرمي السماء غاضباً
بلهب القلوب؟
وكلما في حرقة تنهدت
واضطرم النداء: «ياحبيبتي»
فز المسيح عن صليبه مرتعداً
وانشقت الآفاق عن حمامة الغروب!